«وباء الكسل العالمي».. وأمراض القلب

TT

ضمن عدد 11 يناير (كانون الثاني) الحالي من المجلة الأوروبية للقلب (European Heart Journal)، عرضت نتائج دراسة إنترهارت (INTERHEART)، وهي واحدة من أوسع الدراسات العالمية في مجال البحث عن مسببات الإصابة بأمراض القلب.

دراسة إنترهارت هي من نوع الدراسات الطبية الإحصائية (case-control study) التي تحاول التعرف على العوامل المؤثرة في نشوء مشكلة صحية ما، وذلك بمقارنة أشخاص أصحاء بأشخاص مشابهين ومصابين بتلك المشكلة الصحية. وشملت الدراسة أكثر من 29 ألف شخص تمت متابعتهم ضمن 262 مركزا طبيا في 52 دولة بقارات آسيا وأوروبا وأفريقيا وأستراليا وشمال وجنوب القارة الأميركية.

ولاحظت نتائج الدراسة تأكيد تسبب العوامل المعروفة بـ«عوامل الخطورة» في ارتفاع خطورة الإصابة بأمراض القلب، مثل التدخين والتقدم في العمر وارتفاع ضغط الدم ومرض السكري واضطرابات الكولسترول والدهون والسمنة وغيرها. ولكن اللافت للنظر، الذي لوحظ بطريقة إحصائية دقيقة تتحدث بلغة الأرقام، هو ما يتعلق بتحديد علاقة سلوكيات مرتبطة بنمط الحياة اليومية وأثرها في ارتفاع خطورة الإصابة بالأمراض القلبية.

ومن مراجعة مجمل النتائج لاحظ الباحثون أن ثمة تفاصيل لعلاقة النشاط البدني اليومي باحتمالات الإصابة بنوبة الجلطة القلبية. وتناولت الدراسة تأثيرات النشاط البدني في أوقات العمل، تبعا لنوعية العمل ودرجة تطلبه للجهد البدني، والنشاط البدني في أوقات الفراغ.

وبغض النظر عن مقدار العمر أو الجنس أو بلد الإقامة أو مقدار الدخل المادي أو التدخين أو تناول الكحول أو المستوى التعليمي أو نوعية طعام الوجبات اليومية، فإن الباحثين لاحظوا علاقة «مستقلة» بين مقدار النشاط البدني اليومي وخطورة الإصابة بأمراض القلب. وبتحييد تأثيرات جميع عوامل الخطورة المتقدمة الذكر، تبين في النتائج أن عمل الإنسان في وظيفة تتطلب قدرا متوسطا من الجهد البدني، يقلل بنسبة 22% من احتمالات إصابته بأمراض القلب، وذلك مقارنة بشخص يمارس عملا مكتبيا مريحا لا يتطلب منه القيام بالمجهود البدني، وأن ممارسة الشخص قدرا متوسطا من الجهد البدني في أوقات الفراغ من العمل يقلل بنسبة 24% من تلك الاحتمالات، مقارنة بالشخص الذي يقضي بقية يومه بعد العمل في راحة ودعة.

كما لاحظت الدراسة أمورا أخرى في التفاصيل، ومفاد جانب منها أن احتمالات خطورة إصابة الأشخاص الذين يمتلكون سيارة ويمتلكون جهاز التلفزيون بأمراض القلب كانت أعلى بنسبة 27%، مقارنة بالأشخاص الذين لا يمتلكون أيا منهما.

ومعلوم أن هذه الأرقام مقاربة بشكل كبير للأرقام المتعلقة بتأثيرات التدخين أو ارتفاع ضغط الدم أو غيرها من العوامل على خطورة الإصابة بالأمراض القلبية.

ولاحظت النتائج أيضا أن نسبة عالية من الناس في الدول ذات الدخل المادي المنخفض، يمارسون أعمالا وظيفية تتطلب الجلوس لفترات طويلة، أي الأعمال التي تتطلب قدرا منخفضا من أداء الجهد البدني. كما أنهم يستمرون في الكسل البدني خلال أوقات ما بعد الفراغ من العمل الوظيفي اليومي. وهذا بالمقارنة مع الناس في الدول ذات الدخل المادي العالي أو المتوسط نسبيا. وهو ما عبر الباحثون الطبيون عنه باختلاف تأثيرات الثقافة والظروف البيئية، كارتفاع درجة الحرارة أو ارتفاع الرطوبة مقارنة بالدول ذات المناخ المعتدل أو البارد.

ولاحظ الباحثون تحديدا أن سكان المناطق الحارة أو العالية الرطوبة، أقل ممارسة للجهد البدني في أوقات ما بعد الفراغ من العمل الوظيفي. وأكد الباحثون على ضرورة اهتمام المرء في أي بقاع العالم بوضع حلول عملية له تسهل عليه الاهتمام بممارسة النشاط البدني اليومي وتقلل بالتالي من احتمالات خطورة الإصابة بأمراض القلب. وتتوافق هذه النتائج، ومحاولتها في التعرف على مسببات أمراض القلب، مع الملاحظات العالمية الطبية في ارتفاع الإصابات بالأمراض القلبية في الدول المتدنية الدخل المادي مقارنة مع تلك الأعلى، وذلك لأسباب لا تتعلق بالضرورة بتوافر أو عدم توافر الإمكانيات المادية لتوفير العلاجات المتقدمة لأمراض القلب المعقدة.

وقال الباحثون إن اعتماد استراتيجيات تنشيطية للقيام بالجهد البدني اليومي، وسيلة لدعم الجهود الصحية في حياة طويلة وصحية، وهي الطريقة الأعلى جدوى لوقف انتشار «وباء الكسل العالمي» (global pandemic of sedentarism) وتأثيراته الصحية على القلب وعلى أمراض أجزاء أخرى من الجسم.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]