الأسواني وغربة 25 يناير

TT

تخصص الـ«نيويوركر» صفحات عدة للكتابة عن علاء الأسواني، أشهر روائيي مصر اليوم، وأحد أبرز دعاة 25 يناير. لكن الرجل الذي حمل الفريق أحمد شفيق على الاستقالة من رئاسة الحكومة الأولى بعد مبارك، وجد نفسه، بعد دخول مصر عصر الانتخابات غير المزورة، وجها لوجه أمام خصومه التقليديين؛ المتدينين والمتشددين منهم.

انتصار ثم خيبة لصاحب «عمارة يعقوبيان». لقد أرغم الرجل الذي حاربه في الروايات وفي المقالات وفي المحاضرات، ثم في ميدان التحرير والمؤتمرات الصحافية اليومية، على التنحي. لكن الرجال الذين كان ينتظر فوزهم في الانتخابات خذلهم شبان ميدان التحرير، أو لم يستطيعوا أن يؤمنوا لهم الوصول.

طالما انتقد الروائي الشعب المصري، واتهمه بالجبن والتخاذل، وبأنه يخنع لحكم فرعون بعد آخر، ولا يعرف معنى الثورة، فلما ثار المصريون ساروا في الاتجاه الآخر. وكلما عاد الأسواني إلى منزله الآن يجد أمامه رجالا أشداء يعتقد أن السلطة العسكرية هي من يرسلهم في أثره.

وضعت «البروفايل» عن الأسواني الصحافية ويندل ستيفنسون، التي تغطي ميدان التحرير منذ الأسابيع الأولى. وهي سيدة جميلة، إذا صدقت الصورة، لا أدري بأي شجاعة أمضت الأيام في ساحة اشتهرت، إضافة إلى الثورة، بالتحرش الوحشي بالنساء، بصرف النظر عن درجات الحسن ومراتب الجمال. لكن الكاتبة استطاعت أن ترسم، خلال عام، صورة فائقة الموضوعية لتطورات الأحداث في مصر. ويبدو من خلال السطور أنها تعرفت إلى الأسواني منذ الأيام الأولى، وهدفها أن تخرج في النهاية بسيرة شخصية له.

تخلى الأسواني جزئيا عن ممارسة طب الأسنان، بعدما نقل عيادته من «عمارة يعقوبيان» وسط البلد. ويخصص معظم الوقت للمهنة التي ورثها عن عباس الأسواني، المحامي الذي كان يربح قوته من المرافعات ويحقق متعته في الكتابة. ولذلك كان أول ما أوصى به ابنه أن ينتقي مهنة يعيش منها، لأن الأدب في مصر «لا يوكل عيش». غير أن الزمن تغير أيام الابن. وأصبحت مئات آلاف النسخ التي تباع من كتبه تدرّ عليه عوائد جيدة. وقد ترجمت كتبه ومقالاته إلى لغات كثيرة، بعكس نجيب محفوظ، الذي لم يترجم إلا بعد فوزه بنوبل للآداب، بينما أمضى حياته موظفا حكوميا يخاف الاستقالة خوف الإهانة.

رفض الناشرون في البداية قبول أعمال الأسواني، ثم غامر صاحب «دار ميريت» بقبول «بناية يعقوبيان» المليئة بنقد النظام والإيحاءات غير المألوفة اجتماعيا. وبعدها لم تتوقف المطابع. وشخصيا أعتقد أن الرجل أضاع وقته في ميدان التحرير. المثقف دوره في قلمه.