مبروك أوباما!

TT

تظهر المناظرات التي تقام بين مرشحي رئاسة الولايات المتحدة الأميركية بالنسبة للحزب الجمهوري تغيرا في ظاهر أجندة قوى الضغط التقليدية في هذا الحزب، فبعد أن فشل مرشحي قوى التطرف المسيحي اليميني المتشدد في الحزب من أن ينجحوا مرشحينهم الممكنين مثل حاكم ولاية تكساس ريك بيري ومندوبة ولاية ميسوتا بالكونغرس ميشال باكمان وممثل ولاية بنسلفنيا في الكونغرس ريك سانتوريوم، وثلاثتهم لديهم توجهات اجتماعية محافظة جدا وتقليدية للغاية، تعتمد على التفاسير الانجيلية الحادة والضيقة، وتعكس ذلك الأمر في سياستها المقترحة مع المهاجرين ومع سياسة الاجهاض، وطبعا لا يمكن اغفال سياستهم الموتورة خارجيا وعداءها الصارخ للأديان الأخرى باستثناء اليهود، وينعكس ذلك الأمر على رؤيتهم المتطرفة حيال دول الشرق الأوسط.

ومع تراجع المؤسسات المسيحية المتشددة التي تبنت الخط السياسي برعاية القس بات روبرتسون والقس جيري فالويل والداعية رالف ريد وانحسار اعضائهم وتقلص قدرتهم المالية توجهت البرامج السياسية التي تغير في الأسلوب والطرح وبات الهدف الأساسي للحملة السياسية لهم هو «تجريم استمرار باراك اوباما في الحكم» وبذلك كل الجهد الممكن للتشكيك في نوايا الرئيس ونعته بأنه هادم للقيم المؤسسة للجهورية الأميركية وخاطف كل نوايا الآباء المؤسسين للدولة وساحق كل بنود دستورها وحقوق المواطنين فيها وراعي الاشتراكية ومؤمم الرأسمالية الناجحة فيها.

ولا أبالغ أبدا فيما ذكرت بل أجزم أنني اتوخى الحذر الشديد في تخفيف لهجة الاتهام التي يواجه بها الجمهوريون رئيسهم، ولا يمكن أغفال أبدا اللهجة العنصرية الدونية المبطنة في الخطاب والتي تحقر من الرجل كأفريقي أميركي وصل للمنصب الأعلى في البلاد ولا يستطيع بعض مرضى القلوب وضعاف النفوس في الحزب الجهوري المعروف بتطرفه وعنصريته في مواقف كثيرة.

ولأن الاقتصاد هو المشكلة الأكبر والمعضلة الأخطر يبدو الحزب الجمهوري ومرشحيه في حال من التخبط غير بسيط وخصوصا أن باراك أوباما ورث من عهد الرئيس جورج بوش الأبن تركة خربة من الصرف الزائد والغير سوى لأجل الآلة الحربية الحمقاء التي كان يرعاها هو وتوجهها عصابة المحافظين الجدد في إدارته.

والآن هناك علامات تحسن بدأت تدب في جسد الاقتصاد الأميركي وتحسن في مؤشرات البطالة وتحسن في أداء بورصات الأسواق المالية بمختلف أشكالها مما يجعل حجج وانتقاد أداء باراك أوباما الإداري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي محل شك وغير موضوعي.

الحزب الجمهوري لم يفيق حتى اللحظة من صدمة انتخابه ولفترتين متتاليتين لجورج بوش الابن الذي تحول إلى نكتة سوداء في التاريخ السياسي الأميركي وكان دمية تحركها خيوط عصابة المحافظين الجدد بامتياز وزاد شكوك الناخب الأميركي وتوجهات الحزب واستقلالية قراره ومراعاته الحقيقة لمصالح أمريكا نفسها على حساب المصالح الخاصة للمؤسسة العسكرية الصناعية الكبرى والشركات النفطية والمؤسسات الصناعية العملاقة.

ولكن كل المؤشرات تؤكد أن المرحلة السياسية الحالية في أمريكا هي اشبه بساعة الهواة في برامج الترفيه لأن مقومات الاختيار باتت تطلب شخصية تلقى قبول أعرض وأكبر شريحة من الناخبين الممكنين وهي مسألة تقتضي أن لا يتخذ المرشح موقفا حادا يخسر به كتل ممكنه وعليه لا يتبقى سوى المرشحين المائعين القابلين للتلون والتشكيل بلا مبادئ ولا مواقف حازمة.

وهي تؤكد أن أمريكا اليوم انتقلت من حكم الحزب والرئيس إلى حكم المؤسسة والإدارة، فالإدارة ستستمر وتحاول من الحد من أضرار شطحات الحزب والرئيس ولعل ما يحدث الآن من من تقليص نفقات وزارة الدفاع الأميركية وإعادة تمركز قواتها من جديد في مواقع مختلفة حول العالم يسير في هذا الاتجاه وبعيدا الايدولوجيا الضيقة للبعض.

اعتقد اذا لم تكن هناك «مفاجأة» ثقيلة فإن باراك أوباما سيعاد انتخابه مجددا في ظل منافسة هشة وضحلة من حزب جمهوري ضائع وبلا هدف.