إيران تحاول الخروج من عنق الزجاجة

TT

فجأة تراجعت إيران عن لهجة التهديد والوعيد ووافقت على عودة المراقبين الدوليين لتفقد مفاعلاتها النووية في نهاية يناير (كانون الثاني) الحالي. كما زار علي لاريجاني - رئيس مجلس الشورى الإيراني – أنقرة؛ حيث أعلن قبول بلاده وساطة تركيا مع مجموعة «5+1»، التي تضم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا، لعقد لقاء مع الوفد الإيراني في تركيا لبحث ملف إيران النووي.

فقبل نهاية عام 2011، فرضت إيران سيطرتها على مضيق هرمز البحري، وهددت بمنع خروج النفط والغاز العربي عبر مضيق هرمز، إذا فرض الغرب عقوبات على صادراتها النفطية. جاء التهديد الإيراني في محاولة لتخويف الغرب من فرض عقوبات على بنكها المركزي وتقليص مبيعات النفط الإيراني. فقد أثرت العقوبات الأميركية على الاقتصاد في البلاد، في وقت يقترب فيه موعد الانتخابات الإيرانية في الثاني من مارس (آذار) المقبل. وفي الوقت الذي يزور فيه أحمدي نجاد أربع دول في أميركا الجنوبية - فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا والإكوادور - بحثا عن أصدقاء جدد يساعدونه على مواجهة العقوبات الغربية، تخشى السلطات الإيرانية من ازدياد السخط الشعبي بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية التي أدت إلى انخفاض العملة الإيرانية مقابل الدولار بشكل كبير.

وبدلا من إخافة الدول الغربية، أدت التهديدات الإيرانية إلى إصرار الدول الغربية على التمادي في فرض العقوبات على إيران. وردا على مطالبة قائد الجيش الإيراني بسحب الولايات المتحدة أساطيلها من منطقة الخليج وبحر عمان، أعلن الجنرال مارتن دمبسي - رئيس الأركان المشتركة للقوات الأميركية - عن عزم بلاده فتح مضيق هرمز بالقوة إذا حاولت إيران إغلاقه. بل إن الولايات المتحدة عززت من وجودها العسكري في المنطقة؛ فأرسلت حاملة الطائرات «كارل وينست» إلى بحر عمان، وعلى متنها 80 مقاتلة حربية ومروحية، كما تقرر وصول حاملة أخرى للطائرات – إبراهام لينكولن – مقبلة من المحيط الهندي. وفي الوقت ذاته أعلنت بريطانيا أن سفينة «إتش إم إس دارينغ»، أحدث السفن الحربية تطورا في العالم، اتجهت إلى منطقة الخليج تحسبا لمواجهة أي تهديد بغلق مضيق هرمز.

وبحسب ما نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، فإن الرئيس باراك أوباما بعث برسالة إلى آية الله علي خامنئي - المرشد الإيراني الأعلى - يحذره فيها من نتائج إغلاق مضيق هرمز، الذي يعتبره إجراء تحريضيا سوف تقوم الولايات المتحدة بالرد عليه. وراحت الحكومة الأميركية تحاول إقناع الصين واليابان وكوريا الجنوبية – وهي الدول التي تعتمد على استيراد النفط الإيراني - بتخفيض مستويات النفط الذي تستورده والبحث عن بدائل أخرى في السعودية ودول الخليج.

فعلى الرغم من أن إيران لا تواجه تهديدا عسكريا من أي قوة إقليمية أو دولية، فهي تصمم على المضي قدما في إنتاج الأسلحة النووية، مما يثير قلق بدان الخليج العربي والدول الأوروبية التي تستورد البترول والغاز من هذه البلدان. ومما يزيد الشكوك في نوايا إيران أنها قامت، سرا في البداية، بعمليات تخصيب اليورانيوم إلى درجة عالية لا يتطلبها الاستخدام السلمي. وعندما تم الكشف عن هذه التجارب، لم تتوقف عنها وفاء لالتزاماتها الدولية، بل راحت تتحدى العالم وتعلن صراحة عن نيتها الاستمرار في برنامجها النووي دون رقابة دولية. فلم تعلن إيران عن منشأة قم إلا بعد ثلاث سنوات من إنشائها وبعد أن تم الكشف عن سرها، وأصرت إيران على زيادة إنتاجها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% بهذا المرفق، وهو ما يعني اقترابها من امتلاك القدرة على إنتاج أسلحة نووية. أدانت الولايات المتحدة عمليات تخصيب اليورانيوم في منشأة قم، الذي يتعارض مع قرارات مجلس الأمن والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وطالبت هيلاري كلينتون - وزيرة الخارجية الأميركية - إيران بالإيقاف الفوري لتخصيب اليورانيوم والوفاء بالتزاماتها الدولية.

وعلى الرغم من تعرض برنامجها النووي للكثير من الانتكاسات بسبب فيروسات الكومبيوتر ومقتل ستة من العلماء النوويين، تمكنت إيران من تسريع التجارب التي تجريها وباتت الآن قريبة من إنتاج سلاح نووي. ويبدو أن القيادة الإيرانية تعتقد أن امتلاكها السلاح النووي سيجعلها أكثر قدرة في فرض سيطرتها على بعض مناطق الخليج العربي التي تطالب بها – مثل البحرين – وفرض شروطها على بيع النفط الخليجي للعالم الغربي. كما أنها تعتقد أن هذه القوة ستمكنها من السيطرة كذلك على عناصر التمرد الداخلي، التي باتت تهدد بسقوط النظام الإيراني من الداخل. فمنذ ثورة الشعب الإيراني، بعد إعلان نجاح أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية عام 2009، تخشى القيادة الإيرانية من حدوث صراع داخلي خلال الانتخابات التشريعية يهدد النظام. عندئذ قد تنتقل عدوى الربيع العربي إلى إيران، ويصبح نظام الملالي مهددا بنفس مصير القيادة البعثية في سوريا.

وعلى الرغم من تراجع طهران عن سياسة التهديد وقبولها بعودة المفتشين الدوليين وبحث ملفها النووي، فإن الغرب ما زال يساوره الشك في نواياها الحقيقية. فمعروف أن إيران تتبع سياسة حافة الهاوية دائما، بحيث تظل ترفض الشروط الدولية حتى تصل إلى عنق الزجاجة، ثم تتراجع عن موقفها. وبينما يحاول الغرب منع إيران من إنتاج السلاح النووي، تحاول هي إطالة أمد مفاوضاتها العبثية لكسب الوقت وإتاحة الفرصة أمام مفاعلاتها للوصول إلى إنتاج هذا السلاح.