انسحابات «العراقية» انهيار أم تكريس للطائفية؟

TT

اللافت في المشهد «الطائفي» العراقي، هو تفكك ائتلاف العراقية السني، ففي البصرة انسحب منه ومن حركة الوفاق الوطني، وكلاهما بقيادة الدكتور إياد علاوي، «42» عضوا من نواب وممثلين، وفي بابل «4» آخرون، فيما شهدت محافظات الديوانية وذي قار والنجف والناصرية انسحابات مماثلة ولكن بأحجام متفاوتة، والملاحظ أن المنسحبين هم من الشيعة ومن المحافظات الشيعية حصرا، مقابل ذلك لم يسجل أي انسحاب منه في المحافظات السنية، مما يعني أن الاصطفاف الطائفي بلغ مرتبة غير مسبوقة، علما بأن الائتلاف هذا عاش انسحابات عدة على امتداد العام الماضي، ففي مارس (آذار) 2011 انسحب النائب والكاتب الشيعي المعروف حسن العلوي مع «8» من النواب وشكلوا كتلة نيابية باسم «العراقية البيضاء»، وفي أغسطس (آب) منه انشق النائب محمد الدعمي وانضم إلى العلوي. وقبل أسابيع انسحب النائب عن محافظة نينوى زهير الأعرجي، وهو من أتباع المذهب الشيعي أيضا.

وعزا المنشقون القدامى والجدد أسباب انشقاقهم أو انسحابهم إلى ممارسة السنة المهيمنين على الائتلاف حسب قولهم، للتهميش والإقصاء بحق الشيعة في «العراقية»، وعلى حد قول أحد المنسحبين، فإن تلك الممارسات اتخذت أشكالا شتى منها عدم ترشيحهم إلى المناصب العليا في الحكومة وتفضيل السنة عليهم في تبوئها، والمثير في احتجاجهم كشف أحدهم لحقيقة، وهي أن الدكتور إياد علاوي الشيعي المذهب لا يدير «العراقية»، وأن الذين يديرونها هم السنة المتحكمون بـ«العراقية».

وقبل شهور من الآن أكد سياسيون على ما جاء آنفا وسموا بالاسم العناصر الشيعية المهمشة، حيث احتكار العنصر السني للنفوذ ومركز القرار سواء في الائتلاف أو في حركة الوفاق الوطني. وليس التشكي من التوجه الطائفي السني للائتلاف وحده الذي دفع بالعنصر الشيعي للابتعاد عن الائتلاف والحركة، بل إن هنالك أسبابا أخرى حسب المنسحبين، مثل تسييس «العراقية» لقضية الهاشمي والتشكيك بنزاهة القضاء العراقي، مما يعني أن العنصر الشيعي في «العراقية» بات على قناعة بأن التهمة الموجهة إلى الهاشمي لا يرقى إليها الشك، وبهذا فإن مواقف المنسحبين تأتي متطابقة مع موقف المالكي وبقية القوائم الشيعية في «التحالف الوطني» الشيعي، أضف إلى ذلك مشتركات أخرى بينهما كرفضهم للفيدرالية وأقلمة المحافظات واتهامهم لـ«العراقية» بتعطيل مجلس النواب نتيجة مقاطعة نوابه لجلساته.

مما تقدم، يستدل أن المشتركات بين المنسحبين وبين مكونات التحالف الوطني تفوق تلك التي تجمعهم مع السنة. ويرسخ من تعميق الاصطفاف الطائفي أن المنسحبين في النجف دخلوا في مفاوضات مع «دولة القانون» و«المجلس الأعلى الإسلامي» الشيعيين لاختيار التحالفات المقبلة كما ورد في الأنباء.

لقد تشكل ائتلاف العراقية من تشكيلة غريبة غير متجانسة، اعتقد مؤسسوه خطأ أنه يمثل العراقيين كافة، ولم يأخذوا ببالهم أنه لم يعد ممكنا في زمن الصراع الطائفي والقومي الحاد في العراق وبلدان أخرى كذلك، قيام تنظيمات شمولية أو أممية حزبية وسياسية، فكان ذلك من أسباب تفتت الائتلاف والانشقاق عنه، بعد أن بلغ التناقض الطائفي ذروته. ولا ننسى أن من تداعيات الانسحاب الأميركي من العراق، ترسيخ المشهد الطائفي، الذي يتفق بشأنه الكثيرون، وما حصل ويحصل في «العراقية» الآن ومنذ زمن يقوي من مركز المالكي، والذي يعجل من تقزيم «العراقية» وليس انهياره، الضربات التي توجهها حكومة المالكي إليه والمتمثلة في تجريد حملات بوليسية لاعتقال أعضائه والنشطاء من السنة أو شراء ذممهم.. إلخ.

من الضربات التي مهد لها ووفر لها النجاح، الخطأ تلو الخطأ لقادة «العراقية» إضافة إلى تنازلاتهم المتكررة للمالكي في الماضي من الأيام.. حيث أدت مجتمعة إلى تقليص حجم الائتلاف السني وليس انهياره كما يحلو لبعضهم وصفه لا سيما الذين طالعونا بعناوين من قبيل «حركة علاوي تواصل انهيارها السريع.. » كما ورد في وكالات للأنباء ومواقع إلكترونية، وبتوالي الانسحابات سيأتي اليوم الذي نقف فيه على الحجم الحقيقي لـ«العراقية».. الأمر الذي يجعل منه أكثر اعتدالا وتواضعا في طرح المطالب وأقل اندفاعا في الصراعات ليس مع الشيعة فقط بل مع الكرد أيضا، ولكي يكون الائتلاف سنيا خالصا، حبذا لو تخلى عن الادعاء بأنه يمثل العراقيين من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، وطهر صفوفه من أفراد، يدعي الائتلاف ويدعي الأفراد بأنهم ممثلو مكونات اجتماعية، وهم نفر ضئيل من الكرد والمسيحيين والتركمان من الذين حري بهم العودة إلى مكوناتهم الاجتماعية وأحزابها، حتى علاوي نفسه، عليه أن يدرك أن بقاءه في «العراقية» مدعاة للتهكم.. شيعي يقود السنة وفي أجواء النزاع الطائفي المحتدم!

وإن أصر على البقاء فسيأتي يوم لا يقبل به لا الشيعة ولا السنة. ويجب ألا تخيف الانسحابات السنة، فمتى ما عرفوا حجمهم الحقيقي وتحركوا في ضوئه وفي إطاره آنذاك تكون الصورة أمامهم أوضح، كما أن مطالبهم تكتسب مشروعية أكثر، شريطة أن يستفيدوا من تجارب الماضي ويكفوا عن التطلع إلى استرداد السلطة التي مارسوها دون وجه حق طوال 83 عاما من حكمهم للعراق.. والماضي لا يعود.

* رئيس تحرير صحيفة «راية الموصل» - العراق