ماذا دهى باكستان؟

TT

لقد كنت أقرأ صحيفة «ديلي جانغ» في التاسع عشر من يناير (كانون الثاني) عندما وجدت قصيدة باللغة الأردية لأنور شعور، وشعرت بنيران بلا ضوء داخل قلبي. وكما تعرفون، لن ينبعث من نار الجحيم ضوء. يقول أنور شعور: «أين رخاؤنا؟ أين سعادتنا؟ لماذا لا يسعى أحد إلى رخائه وسعادته؟ لماذا نريد الكهرباء والمياه؟ ماذا دهى باكستان؟».. عندما ندرس تاريخ الانقلابات، ستكون باكستان على رأس القائمة. فخلال تاريخ الدولة، الذي يعود إلى 64 عاما مضت، لم تنتقل السلطة عبر صناديق الاقتراع، ولم يمنح الجيش، سواء أكان يقوم بذلك من تلقاء نفسه أم يحظى بتعاطف المواطنين، أيَّ زعيم الوقت لينهي مدة رئاسته، مما منع الديمقراطية من الوصول إلى مؤسسات الدولة. إذا نجحت الآن مجموعة من الجنرالات والقضاة والسياسيين المعارضين في الوصول إلى السلطة، يمكن لهذا النموذج المؤسف أن يتكرر. إذا ألقينا نظرة على تاريخ باكستان، سنجد أن الانقلابات هي النقاط البارزة. في عام 1985، أطاح الجنرال أيوب خان بحكومة إسكندر ميرزا. وفي عام 1969 أطاحت قوات الجنرال يحيى خان بالمارشال الميداني أيوب خان. وفي عام 1977 أطاح الجنرال ضياء الحق بالحكومة المدنية وأعدم رئيس الوزراء ذو الفقار علي بوتو. وفي عام 1999 أطاح برويز مشرف بحكومة نواز شريف ونفى نواز إلى المملكة العربية السعودية.

يبدو أن باكستان هذه الأيام في مفترق طرق؛ حيث أعتقد أننا على مشارف انقلاب خامس في باكستان.. هل النظام العسكري هو قدر باكستان؟ يعني هذا أننا إذا وضعنا في الاعتبار احتمال حدوث انقلاب خامس، يمكننا أن نكتشف أن البلاد تشهد انقلابا كل 13 عاما منذ أن حصلت على استقلالها عام 1947. طريقة حدوث الانقلاب في باكستان غريبة؛ حيث لا تطلق فيه رصاصة واحدة، ولا يقتل أحد، ولا تنشب حرب أهلية. يعني هذا أن الجميع يعرف أن وقت الانقلاب قد حان، وثمرة الانقلاب قد نضجت وحان وقت قطافها. تمكنت قوات الجيش عام 1999 من عمل الانقلاب بخطى بطيئة. يبدو أن الانقلاب، بالنسبة للجيش الباكستاني، مثل شهر العسل؛ فعلى سبيل المثال روى أحد الصحافيين أحداث الانقلاب قائلا إنه لم يتطلب أكثر من بعض الشاحنات والسيارات الجيب وبضعة جنود والقيام بجولة قصيرة في شارع كونستيتيوشان في إسلام آباد. ولا يتطلب أيضا التلويح بالسلاح أو استخدام سلاح ناري؛ حيث تستسلم إسلام آباد طواعية ودون أي مقاومة إلى الكتيبة 111.

تتحرك سيارات الجيش، ذات المصابيح الصفراء، ببطء في شارع كونستيتيوشان. وتكون أول محطة تتوقف فيها هي وزارة الخارجية وتترك سيارتين وبضعة جنود لحراسة المكان، بينما يتحرك الباقي إلى مبنى إذاعة باكستان. بعد عدة دقائق يتسلق الجنود، بتكاسل، جدران مبنى التلفزيون الباكستاني. إن الأمر بات رسميا، ستبدأ حكومة عسكرية مهمتها. في البداية، سوف يستمع الباكستانيون إلى بيان رسمي يلقيه رئيس الحكومة العسكرية، ثم سيعود الناس إلى حياتهم العادية. إنها قصة مملة لا تفتأ تتكرر في باكستان؛ حيث يتم إطلاق الإعلام الحر وتستمر الأحزاب في نشاطها. بمعنى آخر: يمثل الانقلاب جزءا لا يتجزأ من الحياة في باكستان.

يمكننا الآن إدراك الهوة الشاسعة التي تفصل بين الحكومة والشعب الباكستاني وبين الجيش والدولة وبين الرئيس ووزارته من جانب، والمحكمة العليا من جانب آخر. إضافة إلى ذلك، تعاني باكستان من حركة طالبان، أو كما يقال باكستان طالبان. وأخيرا وليس آخرا، تتسع الهوة الشاسعة بين الأثرياء والفقراء عاما بعد الآخر.

ويوضح محمد يعقوب، المدير السابق لمصرف باكستان الحكومي، في مقال نُشر في صحيفة «دون» اليومية الاقتصادية في العشرين من يناير، آراءه حول الأزمة الاقتصادية التي تواجهها باكستان.

وذكر في المقال: «تزداد أزمة الأسعار سوءا. وارتفع مؤشر أسعار السلع الاستهلاكية بمعدل سنوي متوسط قدره 15% خلال السنوات الثلاث الأولى من الحكومة الحالية، مقارنة بـ9% قبل ثلاث سنوات من حكمها. إنها الحكومة الوحيدة التي ظل معدل التضخم المرتفع فيها على حاله. الأهم من ذلك هو ارتفاع أسعار الغذاء بشدة، وهو ما يؤثر سلبا على ميزانية محدودي الدخل. على سبيل المثال، ارتفع سعر البطاطس المهروسة بنسبة 229%، وسعر البصل بنسبة 204%، والسكر بنسبة 105%، والكيروسين بنسبة 95%، والشاي بنسبة 77%، ولحم الخراف المسنة بنسبة 57%، والبيض بنسبة 47%، وزيت الخضار بنسبة 39%. على عكس التفسيرات المنتشرة في الدوائر الرسمية، يعد معدل التضخم الهائل ظاهرة ناتجة عن السياسات الحكومية».

خلاصة القول: إنه بعد الاجتماع رقم 102 لمجلس الوزراء، الذي ترأسه رئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني، تلقى مكالمة من رئيس أركان الجيش، أشفق برويز كياني، في الحادي عشر من يناير، يخبره فيها بعدم رضا مؤسساته عن تصريح رئيس الوزراء. ويبدو أن المكالمة الهاتفية التي استغرقت 16 دقيقة بمثابة بداية النهاية للحكومة المدنية. الجيش بحاجة إلى ظروف سياسية واجتماعية مواتية لتبرير الانقلاب العسكري الخامس، ولتوضيح أنه يدافع عن الأمن القومي الباكستاني ومصالح باكستان. يبدو أننا إزاء فصل جديد من تاريخ باكستان في مواجهة لا تنتهي بين الديمقراطية والجيش.

ونشاهد هذه التجربة تتكرر للمرة الخامسة.. سوف تُلدغ باكستان من هذا الجحر للمرة الخامسة. إنني لا أفتأ أسأل نفسي عن سر مصير باكستان المريع.. إنها دولة أنجبت للعالم إقبال، الفيلسوف والشاعر العظيم، في أبلغ استجابة من الإسلام للعصرية خلال القرن العشرين. مع ذلك، يمكن لقدر باكستان أن يتغير الآن ويكتب بطريقة جديدة.