عقدة الأجنبي.. جريمة أخرى

TT

أمام مشاهد الإجرام والمجازر الجماعية اليومية التي نتابعها على شاشات التلفاز في سوريا نطرح سؤالا: هل يجوز التدخل الأجنبي أو إشراكه لحماية شعب سوريا؟ انقسم الناس إلى فريقين الأول بقايا اليساريين والقوميين ومن شابههم في عالمنا العربي، إذ أعلنوا التأييد والمساندة للنظام القائم متحزمين بشعارات الإمبريالية والمقاومة والممانعة ويرون أن الدماء التي تسيل تستحق الهدر ولا قيمة لها، ثم الويل والثبور لمن يخالف ذلك، وهذا دأبهم منذ القرن الماضي، أطلقوا شعاراتهم الثورية والتحررية ولمَّا حكموا - بالانقلابات - انقضوا على الناس فقتّلوهم وأفقروهم ونكلوا بهم، والأمثلة كثيرة على ذلك. وعلى الرغم من قِلتهم فإن بوقهم كبير وصدى أصواتهم مؤذ للجميع.

أما الفريق الثاني فخليط من التيارات، وعلى رأسهم التيار الإسلامي يتموج في موقفه مترددا باستحياء في كيفية المطالبة بحماية الشعب؛ فمرة عربية وأخرى إقليمية ومرة - عبر التسريب – دولية. كل ذلك خشيتهم من تهمة التخوين والتعامل مع الغرب أو الشرق.

من هنا أكتب موضحا للحق من دون مجاملة في بيان الحكم لا أخاف لومة لائم.. وقبل التفصيل أود أن أبين مسألة الحلال والحرام عند علماء الأُصول والفقه؛ فالحلال ليس على إطلاقه حلالا والحرام كذلك ليس مطلقا، فمثلا الحليب حلال بالاتفاق ولكنه إذا أضر بالرضيع يحرم استثناءً، والخنزير والخمر محرمتان ويَحلان للضرورة إذا أشرف الإنسان على الهلاك، فمدار التحليل والتحريم أصلا قائم على حفظ النفس البشرية من الهلاك. لهذا ننظر بالحالة السورية سياسيا فالإجرام المتسلسل دون انقطاع أو توقف من قتل بالجملة يعجز اللسان عن وصفه، وبحس بليد على سمع صرخات الأُمهات على أبنائهن وأزواجهن من قِبل المجتمع الدولي هل يجوز طلب العون الدولي لوقف حمام الدم؟ بداية يجب أن نعلم أمرين مهمين؛ إنّ حفظ الأمن وسلامة الشعوب في يومنا الحاضر قائم على أمرين، أولا القوة وثانياَ العهود والمواثيق الدولية، أما الأول فليس للعرب منفردين قوة تحمي أبناء الأمة فما العمل؟ بقي الأمر الآخر والمتمثل بالمنظمات الإقليمية والدولية أما الإقليمية فقدراتها متواضعة جداَ والخيار الآخر الدولية وهي هيئة الأمم المتحدة ووقع على قوانينها جميع دول العالم. ونحن نعلم جيدا من غير شك أن هذه الهيئة تتحكم بها الدول القوية والكثير من الأحيان تكيل بمكيالين وتتخذ من قِبلهم أداة لاستعمالها لمصالحهم الخاصة على حساب الدول الأضعف. ولكن ما العمل في ظل الواقع المرير الذي يحياه شعب سوريا ومع نظام مستهتر مجرم مماطل غير مبال مكار مخادع يتلاعب بالألفاظ كما سمعناه ورأيناه في مناوراته مع الجامعة العربية حتى اللحظة الحالية، فإن طلبنا من الدول العربية المجاورة وغير المجاورة عملا عسكريا لحماية الشعب نصطدم بمعوقين الأول ضعف القوة العسكرية السريعة المشلة فينتج عن ذلك مفسدة أكبر وأعظم والثاني لا يُجيز القانون الدولي القيام بمثل هذا العمل المنفرد. إذن لا بد من اللجوء إلى الأُمم المتحدة والمتمثلة بمجلس الأمن ليقوم بواجبه، أو أي صيغة دولية أخرى، فإن قال قائل سندفع ثمنا غاليا بتدخل الأجنبي في شؤوننا. أقول كل شيء في الحياة له ثمن وإذا كان هذا شر فحتما قتل الناس وهتك أعراضهم أشر منه فنحن أمام شرين فأيهما نأخذ؟ لا شك بأخف الضررين وهو التدخل الآمن فإن كان الواجب حُكما حفظ النفس فلا بد من وجوب التدخل لصون الدماء وإن أتت الحماية من أي كائن من البشر فنحن لا نعيش فوق القمر بل على الأرض، ففي حين نرتضي بأشياء كثيرة في التعامل مع الآخرين فما بالنا لا نرضى بشراكة الآخرين في الحماية من كلاب مسعورة متوحشة؟ ثم هل طلب الاستعانة على دولة عمر بن الخطاب؟ فهذا نظام حزبي بعثي طائفي فاشي فاسد متآمر على الأمة أفقر العباد وخلف الأمراض وأهلك الحرث والنسل فما المانع أن أستعين بمؤسسة الجميعُ وقع على ميثاقها وهي المنفذ الوحيد؟ وبالمناسبة عندما أقول طائفي لا أعني العداء لطائفة معينة، ولكن النظام يحاول تجييش طائفة معينة للتخويف والترهيب ويلعب بهذا الوتر للإثارة والحقيقة غير ذلك، فهنالك الخيرون من كل الطوائف ولا يمكن أن نقوم بالعداء المطلق لطائفة معينة إذ إن هذا ليس من أصول ديننا. سيقول قائل انظر ماذا حدث بالعراق.. أقول قياس فاسد لأن مسألة العراق كانت مؤامرة دولية أحد أضلاعها صدام حسين مع الولايات المتحدة، أما سوريا فالشعب يطالب بالحماية من أي جهة كانت، على أن يكون مشروطا ومؤسسيا بقيادة المؤسسات العربية، أما التعذر بأن هذا النظام مقاوم ممانع داعم لقوى المقاومة من صهيونية وإمبريالية فهذا كذب محض لم نر له واقعا. كما أن فلسطين غنية عن أمثال هذه النظم، والشعب الذبيح الذي يُطلب منه المباركة للنظام لأنه ممانع لأجل فلسطين حتما سيكفر بقضية فلسطين. والعجيب ربط فلسطين بالنظام الممانع اليوم كربط صدام حسين بالأمس في خروجه من الكويت بتطبيق قرارات الأمم المتحدة في فلسطين، فلا أدري ما الرابط بين ظلم الأهل والجيران وأبناء البلد مع قضية فلسطين إلا فساد العقل والضمير. لذا أرجو من حماس وغيرها الرحيل من دمشق لتعرية هذا النظام وسحب غطاء قضية فلسطين المتلحف بها. من هنا ننظر إلى الحُكم الشرعي الديني في طلب العون من غير المسلم مع تعذر جميع الطرق وإغلاقها وخصوصا مع هذا النظام المخادع والذي لا يحترم أحدا ولا ميثاقا بل يزداد قتلا مع وجود بعثة جامعة الدول العربية!!

أولا أورد النصوص الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

1) عندما ضاق الحال بالمسلمين في مكة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى الحبشة، وقال لهم: فيها ملك عادل وكان على ديانة النصرانية قبل دخوله الإسلام وما أشبه اليوم بالأمس، فلا مانع أن يكون العدل عند غير المسلمين.

2) عندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وكان فيها اليهود عقد المواثيق معهم ومن ضمنها حماية المدينة من جهة ثغورهم، ولمّا كانت غزوة الأحزاب غدر بنو قريظة بالمسلمين فحُكِم لخيانتهم بقتل رجالهم المحاربين وسبي من بقي.

3) ما روي من خروج قزمان يوم أُحد وهو مشرك يقاتل مع المسلمين.

4) خروج صفوان بن أمية يوم حنين وهو على الشرك مع المسلمين.

5) خروج خزاعة مع النبي يوم الفتح وهم على الشرك.

أما الفقهاء فلهم قولان الأول لا تجوز الاستعانة بغير المسلمين وهو رأي ابن المنذر وغيره ودليلهم حديث مسلم في قول الرسول صلى الله عليه وسلم بيوم بدر «فارجع فلن أستعين بمشرك» وللعلماء جواب على ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم ردهم رجاء أن يسلموا فصدق ظنه فأسلموا، وأيضا لعل الرسول صلى الله عليه وسلم لا يريد مشاركة أحد لأن بدرا كانت الغزوة الأولى والله أعلمه الظفر بالخروج وغير ذلك. الرأي الثاني يجوز بشروط أن يكون مأمونا وفي صالح المسلمين وهو قول الشافعي وأبو حنيفة وكذلك ما استدل به عند الإمام أحمد ودليلهم ما تقدم من الأحاديث. (انظر المغني لابن قدامة ونيل الأوطار كتاب الجهاد).

على ضوء ما تقدم فلنا أن نطلب العون والمساعدة على شرط السلامة والأمان للنتائج وعدم التجمد من عقدة التدخل الأجنبي والخوف من التخوين فإن ذلك جريمة أخرى مضافة إلى جرم النظام السوري فلا نريد كلاما فلسفيا نمتطي به جياد الوطنية الحمقاء على حساب دماء الشعب الأعزل. وطالما أن جامعة الدول العربية قد بدأت بالخطوة الأُولى وسبقتها في ليبيا مشكورة فالأمل معقود عليها أن تكمل المشوار وأن تتحمل المسؤولية أمام المجتمع الدولي بريادة وقيادة العمل الذي يحمي السلم الأهلي. وأقول هذا محذرا قبل أن يتخذ مجلس الأمن قرارا انفراديا بعيدا عن التجمع العربي وكلمتهم ثم يكون لهم مآرب ومصالح أُخرى فيتخذون الشعب ذريعة لهم فنكون بتخاذلنا وترددنا قد أعطيناهم الفرصة ليغتنموها، فالشعب ذبيحٌ كالسكران يمد يده للنجاة لا يدري ما يحصل حوله من متاعب وأخطار.

أريد أن أوجه نداء إلى رابطة العالم الإسلامي ومجلس علماء الأزهر ومنظمة التعاون الإسلامي العمل على إصدار فتوى صريحة وواضحة وذلك بجمع ممثلين عن علماء المسلمين من كافة العالم الإسلامي كما حصل في اجتماع الرابطة عام 1990م في مكة عند بحث مسألة احتلال العراق للكويت، ولتكن مقالتي هذه ورقة عمل أُقدمها إلى المؤسسات المعنية بالأمر ليتسنى للجامعة العربية التحرك على أقدام راسخة تقود العمل لمطلب واحد وهو وقف نزيف الدم فورا، وأما حل المسألة السياسية فذاك راجع إلى القوى السياسية المباشرة بالشأن السوري وإن كان مطلب الشعب واضحا وهو زوال النظام ومحاكمة رموزه على جرائمهم وهو الأفضل لصالح الشعب والمنطقة جميعا.

* كاتب أردني مقيم في أميركا.