العلمانية الإسلامية

TT

اخذت الحركات الاسلامية السياسية اشكالا متعددة. و لكنني وجدت قاسما مشتركا واحدا يجمعها. وهو الوصول للحكم. كانت تؤمن بالعنف و ترفض الديمقراطية باعتبارها مناقضة للاسلام. و الآن تخلت عن كل ذلك بعد ان اكتشفت انه لا يوصلها للحكم. فعلت مثل ذلك بالنسبة لإسمها. لاحظت ان الاسلام و المسلمين اصبحت كلمة غير مستحبة عالميا، فحذفت اي ذكر للاسلام. اصبحت تسمي نفسها بهذه الكلمات الجذابة ، النهضة و الحرية و العدالة و هلمجرا. بالطبع ما ان اعلن عن الانتخابات حتى هرعت للمشاركة، بعد ان كانت تعتبرها مناقضة للدين.

والآن وقد وصلوا للحكم، اخذوا يتخلون حتى عن برامجهم الاسلامية. لا احد منهم يذكر تطبيق الشريعة. حمادي الجبالي اشار فقط الى القيم الاسلامية كما سادت في عهد الخلفاء الراشدين. و حصرها بالشفافية و الديمقراطية. لا ذكر للزي الاسلامي او الحجاب او اي قيود على تقاليد الحياة الاوربية، او فرض اي شيء جديد اسلامي. اشار الى حاجة تونس للقروض، وهو ما سيعني طبعا دفع فوائد (ربى). استمعت لتصريحاته و تناول جلها مواضيع التنمية و توفير العمل و تشجيع السياحة و بناء الاقتصاد التونسي على اسس عصرية. و كذا جائت تصريحات الحرية و العدالة في مصر. الجبالي رجل عالم و لكن لم يتلق علمه من الازهر او قم وانما من الجامعات الغربية و تخصص في التكنولوجيا. و عبرعن تحصيله العلمي في مخططاته للنهوض بتونس.

منهجهم في الواقع منهج اي حزب لبرالي وطني. قد يحترم كما قال ، القيم الاسلامية، و لكنه لا يقوم اساسا على ما فعله ابو بكر او عمر بن الخطاب رضي الله عنهما و انما على ما فعله نابليون و دزرائيلي من اقتصاديات و بنية الدولة الحديثة. لا يكتب وزير المالية ميزانية الدولة حسب ما اوصى به ابو حنيفة و جعفر الصادق و انما حسب ما اوصى به آدم سمث و كينز. في ظل اللبرالية الاسلامية التونسية جرى إحياء البورغيبية و الاشادة بالعلمانية التركية. و حسنا فعلوا. و الا فستعلن تونس افلاسها. الاحزاب الاسلامية كالاحزاب المسيحية في اوربا. تستعمل الدين اسما و تطبق اللبرالية الرأسمالية عملا.

يتضح من هذه القراءة ان الحركات الاسلامية السياسية لم تفعل غير ان استعملت الدين وشعار الاسلام هو الحل لمجرد جر البسطاء من الجمهور و إغرائهم بتأييدها و التصويت لها. لا اكثر و لا اقل. انها باختصار ضرب ماكر مما يسمى بالانتهازية. و اذكر القراء بما قلته سابقا. لن ينفذوا الشريعة او يطبقوا اي شيء اسلامي باستثناء بعض التزويق و الزخرفة ، مثل تشجيع الحجاب و النقاب و تحاشي المني جوب. سيفعلون ما فعله غيرهم فيوزعون المناصب على ذويهم و اصحابهم . وهو ما جرى في تونس. بقيت المرحلة الثانية التي ستنتظر بضع سنوات: وهي مرحلة الضلوع في الفساد التقليدي.

يتخوف العالم من الاسلاميين و مما قد يفعلونه. ففي افغانستان دمروا اهم الآثار السياحية و التاريخية بنسف التماثيل الهندوسية. صرحوا في مصر اننا لن نفعل ذلك و لكننا سنغطي بالشمع التماثيل العارية! تعايش المسلمون مع هذه التماثيل منذ الفتح ولم يعترضوا عليها. ولعمري، هذا هو الفرق بين المسلمين ، بناة الحضارات والاسلاميين مدمروها.