ازدهار الاستثمار في المملكة المتحدة

TT

مع وجود لندن داخل دائرة الضوء، وتناول دورة الألعاب الأوليمبية التي تقام بها العام الحالي في الكثير من المقالات، يحظى اقتصاد المملكة المتحدة بفرص رائعة. ربما تكون بريطانيا من أكثر بيئات العمل انفتاحا في العالم، لذا سنتحدث الأسبوع الحالي عن القطاعات التي استفادت من الاستثمارات الدولية. وعلى الرغم من أن بريطانيا تعد مركزا ماليا عالميا، فإن لديها عوامل جذب كثيرة أخرى للمستثمرين. سنتحدث الأسبوع الحالي عن قطاع صناعة السيارات، ثم نرى ما الذي يحدث للاستثمارات في البنية التحتية.

القطاع الأول الذي سأتناوله في المقال هو صناعة السيارات: كنت أركز في مقال الأسبوع الماضي على إعادة تنظيم التجارة بين الشرق والغرب. دائما ما تكون هناك فترات مد وجزر، لذا من المثير للاهتمام مراقبة الحركة من الشرق إلى الغرب. في عام 2011، عادت شركة «جنرال موتورز» لتحتل مكانها كأكبر شركة مصنعة للسيارات في العالم. وهذا يضع الولايات المتحدة بدورها في المرتبة الأولى. منذ عام 1931 إلى 2007 قادت شركة «جنرال موتورز» عالم صناعة السيارات لمدة 77 عاما متواصلة، حيث فاق حجم مبيعاتها من السيارات كل الشركات الأخرى. وفي عام 2008 احتلت مركزها شركة «تويوتا»، والآن تستعيد «جنرال موتورز» الصدارة مرة أخرى. وتم الإعلان، الأسبوع الحالي، عن خطط المملكة المتحدة للعودة إلى تصنيع السيارات الهيدروجينية والبنية التحتية الخاصة بالتزود بالوقود. وتم الترحيب بهذه الخطوة باعتبارها خطوة مهمة تجاه تعزيز مكانة المملكة المتحدة كدولة رائدة في مجال تصنيع وتطوير السيارات التي لا ينبعث منها كمية كبيرة من الكربون.

ويبلغ نصيب الملكة المتحدة من إنتاج محرك الاحتراق الداخلي في أوروبا 30 في المائة، وتحتل المركز الثاني على مستوى العالم في إنتاج السيارات المتميزة. وتعرف صناعة السيارات المميزة والرياضية في بريطانيا، ومنها «آستون مارتن» و«بنتلي» و«ديلمر» و«جاغوار» و«لاغوندا» و«لاند روفر» و«لوتس» و«ماكلارين» و«إم جي» و«ميني» و«مورغان» و«رولز رويس».

من أهم مجالات الإبداع وتطوير الإنتاج في قطاع صناعة السيارات في المملكة المتحدة هو السيارات التي تعمل بالمحرك، والتي تدرّ على اقتصاد المملكة المتحدة أرباحا سنوية تتجاوز الخمسة مليارات إسترليني. ويعد قطاع السيارات ذات المحركات من القطاعات الرائدة على مستوى العالم، بفضل دورها المهيمن في إدارة معرض «فورميولا 1» والسباقات الدولية الأخرى.

لقد أدى ثراء التصميم العالمي والدقة وشركات هندسة الأداء العالي، وكذلك وجود مجموعة متنوعة من الشركات الخدمية الرائدة في مجالات، مثل إدارة الفعاليات والتسويق والعلاقات العامة والرعاية. إن 8 من بين 12 من فرق «فورميولا 1» في المملكة المتحدة، وهم «ماكلارين» و«ويليامز» و«ريد بول» و«فورس إنديا» و«لوتس» و«فيرجين» و«مرسيدس» و«رينو».

في الوقت ذاته، زاد إنتاج السيارات في المملكة المتحدة بنسبة 5.8 في المائة عام 2011، كذلك زاد إنتاج المحركات بنسبة 4.9 في المائة، فالصادرات تمثل القوة الدافعة الرئيسية للنمو، حيث يتم تصدير 83.7 في المائة من السيارات. ويعد هذا رقما قياسيا. وتسلط تلك الأرقام الضوء على عودة صناعة السيارات البريطانية للحياة منذ الركود الاقتصادي. وزاد إنتاج مصانع «فوكسهول» في إليسمير بورت «لاند روفر» في سوليهول وهيلوود كثيرا. والتزمت شركات مصنعة للسيارات مثل «جاغوار لاند روفر» و«نيسان» و«بي إم دبليو» بالتوسع في المملكة المتحدة، وهو ما من شأنه أن يصل بالإنتاج إلى مستوى قياسي جديد خلال العشر سنوات المقبلة. كذلك أعلنت شركة «رولز رويس» تحقيقها لمبيعات قياسية عام 2011، تعد هي الأفضل في تاريخ الشركة، الذي يمتد إلى 107 أعوام مضت.

الأمر اللافت للانتباه أيضا في هذا القطاع، الذي تمثل 5 مجموعات شركات عالمية فيه أكثر من 80 في المائة من صناعة السيارات في العالم، هو أن أكثر الشركات المصنعة للسيارات لا توفر فرص عمل كثيرة، فـ82 في المائة من المواقع التابعة لتلك الشركات مشاريع صغيرة أو متوسطة، أي يعمل بكل منها أقل من 50 شخصا. وتوظف 6 في المائة فقط من إجمالي مواقع الشركات المصنعة للسيارات في المملكة المتحدة 200 شخص أو أكثر. أكثر العاملين في قطاع صناعة السيارات في المملكة المتحدة، يعملون في شركات تقدم إنتاجها للشركات المصنعة للسيارات لا تصنع السيارات. إن هذا يجعل المملكة المتحدة مميزة في مجال صناعة السيارات. وهناك عدة حاملي أسهم في الكثير من الشركات البريطانية الناجحة، وتوضح حصة الأجانب الكبيرة في هذه الشركات مدى الانجذاب إلى هذه الصناعة.

وفي ظل سعي حكومات دول الشرق الأوسط لكيفية تنمية قطاعي المشاريع الصغيرة والمتوسطة لديها، يمكن معرفة الكثير من دراسة قطاع صناعة السيارات في المملكة المتحدة.

فلننتقل إلى البنية التحتية: حذت الصين يوم الجمعة حذو أبوظبي، فيما ينظر إليه الكثيرون باعتباره مغامرة في البنية التحتية البريطانية، وهو شراء عُشر شركة «تايمز ووتر»، أكبر شركة مياه وصرف صحي في المملكة المتحدة.

وجاء امتلاك صندوق الثروة السيادية، التابع لهيئة الاستثمار الصينية، حصة قدرها 410 مليارات دولار (265 مليار جنيه إسترليني) عقب محادثات تمت في بكين، الأسبوع الحالي، مع وزير المالية البريطاني، جورج أوسبورن، الذي يشرف على المستثمرين الأجانب الذين سيستفيدون من الاستثمار في إعادة بناء البنية التحتية للدولة، وهو ما يعزز الاقتصاد. ويشتري الصندوق حصة نسبتها 8.68 في المائة من شركة «تايمز ووتر»، التي يبلغ عدد عملائها 14 مليونا، من «كيمبل ووتر»، وهي مجموعة من المستثمرين تحت قيادة المصرف الأسترالي «ماكوير» المتخصص في استثمارات البنية التحتية. وتأتي الصفقة بعد شراء هيئة أبوظبي للاستثمار حصة نسبتها 9.9 في المائة من «كيمبل». على الرغم من شراء الصندوق لأسهم في شركة «تايمز ووتر» بدلا من استثمار الأموال في المجال، من المتوقع أن يعقب الاتفاق ضخ الأموال الصينية في مشاريع البنية التحتية.

يتيح اتفاق يوم الجمعة لصندوق الثروة السيادية الفرصة لضخ الأموال في شركات المياه البريطانية ذات العائدات الثابتة على المدى الطويل. وتسبق هذه الخطوة خطوة أخرى اتخذها لي كا شينغ، قطب الأعمال الشهير، الذي اشترى شركة «نورثامبريان ووتر» العام الماضي بأقل من 4 مليارات دولار.

زاد ارتفاع معدل التضخم العام الماضي (وإن كانت شركات المياه البريطانية بمنأى عن تأثيره، بفضل العائدات المنتظمة لها) الإقبال على هذه الشركات من قبل مستثمري البنية التحتية، الذي يسعون إلى الأمان من خلال العائدات المنتظمة على المدى الطويل.

أخيرا، في الوقت الذي ينجذب فيه الكثير من مستثمري دول الشرق الأوسط إلى العقارات، نتطلع إلى المقصد المفضل. وكما ذكرت في أول مقال لي في العام الجديد، تستعد لندن، من خلال تنظيمها دورة الألعاب الأولمبية، لعام ليس له مثيل.

مع ذلك، وسط بريق أعظم حدث على الأرض، سيتخذ مشروع تطوير كبير خطوة ثورية في عام 2012، حيث تتحضر كناري وارف للانتقال إلى المرحلة التالية في مشروع تطوير عقاراتها، فقد وقعت شركة «كناري وارف غروب» على عقد الأسبوع الماضي للسيطرة على 4.8 مليون قدم مربع من موقع «وود وارف» بدفعها 90 مليون جنيه إسترليني لشراء حصة شركة «ووتر وايز» البريطانية وشركة «بالي موور» للتنمية العقارية. ويقع الموقع الذي تبلغ مساحته سبعة هكتارات في شمال شرقي أيل أوف دوغز بالقرب من كناري وارف، التي تتميز بالأبراج ومراكز التسوق. وتعد مؤسسة «كناري وارف غروب» استثمارا آخر جيدا نظرا لاهتمام المستثمرين من دول الشرق الأوسط به. وتمتلك شركة «سونغبيرد استيتس»، التي تعد شركة قطر القابضة وصندوق الثروة السيادية الصيني من أكبر حاملي أسهمها، 60 في المائة من المؤسسة. وهناك أيضا الكثير من الفرص الذهبية الاستثمارية الأخرى في مدن بريطانية كبرى أخرى، لكن من الضروري السعي للحصول على استشارات جيدة في بريطانيا عند التفكير في القيام باستثمارات أو شراء وحدات تجارية أو أرض أو منازل للعطلات أو أي فرص أخرى في مجال العقارات. سوف يلفت العام الحالي، عام دورة الألعاب الأولمبية، الانتباه إلى الكثير من الفرص الذهبية المنتشرة في أنحاء المملكة المتحدة. ينبغي على المستثمرين المقبلين من دول الشرق الأوسط، الذين يرغبون في الاستثمار في سوق آمنة نسبيا بعائدات ثابتة على المدى الطويل، التفكير في الفرص التي تقدمها لهم المملكة المتحدة.

* أستاذ زائر في كلية الأعمال في جامعة لندن متروبوليتان ورئيس «ألترا كابيتال»