المسكوت عنه في لقاء المنامة

TT

على مدى يومين، 17 – 18 يناير (كانون الثاني) الحالي، عقد مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية ندوة تحت عنوان «الأمن الوطني والإقليمي.. رؤية من الداخل». حضر ذلك اللقاء نخبة من المهتمين وأهل الرأي، وكان الحوار ثريا وصريحا في نفس الوقت. مكان انعقاد اللقاء كان مهمّا للغاية، ولا أقصد بالمكان هنا المصغر، بل الكبير، وأعني به البحرين وما جاورها.

فليس بخافٍ على أحد اليوم أن البحرين تمر بمرحلة مخاض صعبة، صعوبتها ليست في المطالب السياسية المطروحة، بل في غياب طرف ثالث محلي بين السلطة والمعارضة يمكنه أن يمد جسرا بين طرفي الخلاف، حيث إن التوافق محتم، بل وتاريخي، والإصرار على الصدع المجتمعي، باتباع التطرف المقيت، يزيد من الهوة التي لم تكن في وقت سابق عميقة كما هي اليوم. ليس من السهل تقديم تحليل لما تراكم من سلبيات، فالبحث عن نقاط الخلاف لمن أراد أن يبحث عنها موجودة، كما أن البحث عن نقاط التلاقي لمن أراد أن يبحث عنها موجودة، المهم هو ما يمكن عمله بتعظيم نقاط التلاقي لإعادة اللحمة، وهي عملية صعبة وتستهلك الكثير من الجهد، في بيئة يحلو لها «التخوين من جهة والإقصاء من جهة أخرى»، كما أنها بيئة أشبعت بعدم الثقة حتى عاد الحديث عن مكان جامع من أصعب الأمور، إلا أنه ليس مستحيلا إذا حكم العقل.

رؤيتي للوضع في البحرين أن هناك سباقا بين مشروع الإصلاح، الذي اعتبره المجتمعون في الندوة واجبا وطالبوا بالإسراع في خطواته التنفيذية، وبين مشروع «الإلحاق»، وهو مشروع بدأ في فبراير (شباط) الماضي، حيث كان للبعض ممكنا وقريب التحقق، ولكن سرعان ما وجد كثيرون في ذلك الطرف المعارض أنه مشروع غير واقعي ولا يقدم أي تصورات مقنعة للعامة بالأفضل، فما يتمتع به الناس اليوم لا يستطيعون التمتع بمثله في السيناريو الإلحاقي المنادى به!

في لقاء مع شخصية قريبة من المعارضة، فهمت أن المشروع الإلحاقي قد بهت بريقه الآن، ولم يعد أمام المعارضة إلا طريق الإصلاح. الدولة أيضا تقدم رؤية في الإصلاح، المطلوب ليس أكثر من جهود تجسيرية تمتد بين ما تقدمه الدولة من اقتراحات، آخرها ما شرحه الملك حمد بن عيسى في خطاب علني، وأخذ طريقه إلى المؤسسات المنتخبة لإقراره، وهو يحمل من نقاط الإصلاح السياسي الكثير، وما تطالب به المعارضة، وهو ليس بعيدا، فقد أصبح وطنيا سياسيا غير إلحاقي، يبتعد عن تلك المطالبات الخارجة عن السياق ليقترب من المطالبات السياسية، فلا يجوز والأمر كذلك الركون إلى التصعيد غير ذي النتيجة.

التصلب من بعض الفرقاء في هذا الطرف أو ذاك نابع إما عن جهل وتجهيل وإما عن مصالح لا يريد البعض أن يتخلى عنها، إلا أن الغالبية هنا وهناك تطلب التوافق الذي هو مصلحة عامة للفرقاء والعقلاء معا، حفاظا على سير السفينة وإبعادها عن العطب، خصوصا أنها سفينة تبحر في فضاء خليجي له محدداته.

البعد الآيديولوجي وتفكيكه مهم في هذه المرحلة، وأريد أن أبدأ بفكرة عامة، حيث يقول المناطقة بأن معرفة العلة تساعد في معرفة المعلول. وتقديري بأن الأصل في ما نحن فيه هو الخلاف السياسي، أي الخلاف السياسي سابق للاتباع الطائفي، فإذا اتفقنا على ذلك، إذن نحن في منطقة السياسة، وما اختلف عليه السياسيون في ذلك الوقت من الصحابة ومن بعدهم سماه الأولون بالـ«فتن»، ورتب بعدها بشكل شبه عقائدي وطائفي. نحن تبعنا المتبوع ولم ندرس الجذر في المشكلة، فلا حاجة لنا من جديد في القرن الواحد والعشرين أن نستتبع «الفتن» المعطبة للأوطان.

الخلاف السياسي دائم وموجود، بمعنى أنه ما دام هناك مجتمع إذن فهناك خلاف سياسي، وذلك لأن الكلام السياسي هو اجتهادات في شؤون الحياة، ولا يوجد كلام نهائي في السياسة، إذا قلنا غير ذلك فنحن نظلم أنفسنا ونظلم جمهورنا ومجتمعنا.

في حياتنا اليوم بشر - ربما عن جهل أو تجهيل أو توظيف - يستخدمون هذا المنطق الطائفي في سبيل التوظيف السياسي، ومن حقهم أن يفعلوا ذلك ومن حقنا أيضا أن نخالفهم. أعتقد أن هذا ما وضعنا أمام جدار سميك يصعب اختراقه اليوم في البحرين، فيما بين السياسي والطائفي، الإشكالية التي تواجهني أنا شخصيا، وربما تواجه البعض هنا، أنه إن لم تكن معي فأنت ضدي، وكأنه لا توجد مساحة وزمان للاتفاق، ونتفق أيضا على الاختلاف. ويتوسل البعض من الأطراف المختلفة بحل المشكلات التي يواجهها المجتمع إما بالعنف السياسي وإما إلغاء التعددية وإما الفرار من القانون وإما الفرار إلى الآخر. إن كان ثمة قانون أو استناد على نصوص يفسرها البعض حسب هواه، ربما جاءت في إطار إشكالية ومعطيات تاريخية معينة، ليس لها علاقة بالإشكالية القائمة اليوم، هذا ما أسميه العداء الوهمي. هناك عداء وهمي مسيّس لا يزال يدور حولنا في المنطقة العربية، وأيضا في منطقتنا في الخليج، ويظهر في البحرين جليا، يسمم العلاقة في النسيج الاجتماعي. علينا أن نعيد النظر في آلياته، ليس لأننا ملائكة، ولكن السبب هو الظروف القائمة التي تختلف بيننا وبين هذا وذاك من تجارب المجتمعات الأخرى.

الاستعارة الكلية في زمننا الحالي من القرن الواحد والعشرين غير ممكنة وغير واقعية، في زمن التعددية السياسية، في زمن المواطنة، في زمن ما يسمى البديل المواطن، لكل ما يجري حولنا من أحداث، هناك ما يمكن تسميته بـ«المواطنة المنقوصة»، سواء كنت سنيا أو شيعيا، إذن فإن هذه المواطنة المنقوصة علينا أن نتفق على أن نكملها وأن نتوسل الطرق السلمية لإكمالها كمواطنين.

إن الانحصار المذهبي هو نوع من أنواع العنصرية. لماذا يكون الانحصار المذهبي نوعا من أنواع العنصرية؟ لأنه ينفي الآخر مباشرة. إذا أنت لم تكن سنيا، إذا أنت لست معنا، وإذا لم تكن شيعيا، إذن أنت لست معنا. هذا الموقف يناقض كليا وعكسيا ما تتطلبه الشعوب اليوم من وطن مدني محكوم بالقانون النابع من الناس والمحقق لمصالحهم.

آخر الكلام

ضاحي خلفان مدير عام شرطة دبي قال في مداخلة هامة في ندوة المنامة - وأرى أنها تاريخية - قال ما معناه: لا تركنوا إلى اليقين في الموقف الأميركي للمطالبة بالإنصاف والحريات، فلو كان ذلك صحيحا لوقفوا ضد ظلم الفلسطينيين.. كلام مقنع!