سبعون محمد علي

TT

مرت سبعون محمد علي كلاي، وهو مُقْعَد لا يطل على الذين عرفوه، يأتي ألف حركة في الدقيقة، ويطلق ألف نكتة وألف تحية. لم يعرف القرن ملاكما مثله. ليس لأنه كان صاحب الضربة القاضية، فقد خانته ذات مرة وهزم. بل لأنه كان صاحب الشخصية الطاغية والفتى الأغر خارج الحلبة. المدني الذي رفض أداء الخدمة العسكرية في فيتنام. الأسمر الذي رفع قضيته بقبضته. والملاكم الذي جعل كاتبا في حجم نورمان ميلر، يعود محررا رياضيا، لكي يغطي، عام 1974، مباراته مع الآخر.

من هو الآخر؟ من منا حاول أن يتذكر اسم الرجل الذي هزم محمد علي أو هزمه؟ لقد كان الحاضر الوحيد، فوق الحلبة وخارجها، هازما أو مهزوما، يملأ من حوله الحلبات الضيقة أو المدن الكبرى. 68 ألف متفرج في زائير شعروا بأن محمد علي ينتقم لأفريقيا والبشرة السمراء. لم يطق أحد في العالم أن يرى محمد علي مهزوما. أو أن يصدق هزيمته.

غريبة هذه الظاهرة. كان ذلك الفتى أعلى من الهزيمة والانتصار. قامة من الظرف والذكاء والمشاعر والشجاعة الأدبية التي تفوق بزمن شجاعة الخشبة واللكمة. أحيانا أدون على ورقة، الكبار الذين تسنت لي معرفتهم. ويقفز دائما اسم محمد علي كلاي، ضاحكا وطيبا. وأروي دائما حكاية رحلة معه بالقطار من نيويورك إلى واشنطن (1973) وكأن لا حكاية أخرى لدي أرويها. يومها لأول مرة عرفت عن قرب معنى الزنوجية عندما اندفع موظف أسود وكشف عن صدره قائلا: علِي، وقِّع هنا. وأما موظفة شباك التذاكر فقد هللت وهي تشعر بأنها تدخل التاريخ، لأن الرجل الواقف أمامها هو «الأعظم». «محمد علي الأعظم» كما سماه الرياضيون وتحببت إليه الشعوب.

«معركة القرن»، سمى نورمان ميلر كتابه عن مباراة كلاي وجورج فورمان في كنشاسا، عندما هزم الأخير في الجولة الثامنة وهو يتعرق في ليلة شديدة الحر والرطوبة. حاذروا أن تقربوني، كان يقول ضاحكا. هزمه جو فريزر في ماديسون سكوير (1971)، يا للعار أيها الفتى الأغر! يا صاحب القوتين: العقل والقبضة. القلب والصدق. الثراء والتواضع. الشهرة والأنس.

ثم في مانيلا (1975) ينتقم لنفسه من الرجل الذي تجرأ على هزم «الأعظم». تمتلئ الحلبة بدماء الاثنين، وفي النهاية يرفع الحكم قبضة محمد علي المستعادة. لكن الباركنسون يهزم لورد الحلبات وسيد الكلمات. وبعدها، لم تعد أي حلبة تثير أي اهتمام.