مغالبة الجوع

TT

الجوع ظاهرة موجعة وظالمة ومكلفة ومفسدة، فهي تعلم الرجل السرقة والمرأة الزنى. وهكذا أمر الخليفة الصالح عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، برفع عقوبة قطع يد السارق في أيام المجاعات، وتلاه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، فقال: «لو كان الجوع رجلا لقتلته». المؤلم في الجوع أنه يسود معظم بلادنا الإسلامية، بما أدى إلى انتفاضات الربيع العربي. أعلنت تونس مؤخرا عن عزمها على معالجة الجوع بالاقتراض من الخارج لتوفير 175 ألف فرصة عمل للعاطلين. ما جدوى ذلك؟ وما الفائدة من خلق عمل لا حاجة له؟ ما الفائدة من إقامة معمل أحذية في بلد لا يجد فيه الحفاة العاطلون ما يشترون به حذاء؟ ما الفائدة من تشجيع الصناعات الحرفية إذا كان السياح يتحاشون زيارة بلد مضطرب متمسك بتقاليد الإسلام وفرائضه؟ تمر الأيام ويحل موعد تسديد القروض التي تراكمت عليها الفوائد. هل ستعمد الحكومة إلى إعلان الإفلاس وتمتنع عن التسديد؟

كلا.. لا أرى لمثل هذه الإجراءات أي مستقبل. يجب أن نفكر بوسائل عملية لمغالبة الجوع، وهو ما فعلته، فوجدت أن النوم يأتي في المقدمة، لا سيما أنه جزء من تراثنا، فعندما نشعر بألم الجوع في الساعات الأخيرة من الصوم في رمضان المبارك، نستسلم لنومة القيلولة فلا نستفيق حتى نسمع أذان المغرب. من الممكن في رأيي توسيع ذلك بحيث يصبح وسيلة اجتماعية اقتصادية لمغالبة الجوع، فيقضي العاطل عن العمل جل ساعات النهار نائما فلا يشعر بجوعه. وهذا يتطلب بعض الدراسات العلمية للحصول على أحسن وأسلم النتائج من النوم. مثلا هل الأفضل أن ننام على الجانب الأيسر حيث يوجد القلب أم على الجانب الأيمن حيث يوجد الكبد؟ ما هي مزايا أو أضرار النوم على الظهر أو على البطن الخالية من الأكل؟ في كلتا الحالتين ينبغي رفع الرأس والكتفين بضعة سنتمترات لمنع حموضة المعدة الخالية من التسرب إلى المريء والتسبب بالتهابات في الصمام.

ولكن لا يستطيع العاطل الجوعان أن يقضي كل حياته نائما. سرعان ما يستفيق فيشعر بمرارة الجوع. كيف نساعده هنا؟ من الثابت أن انشغال البال يصرف الإنسان عن الشعور بمشكلته أو مرضه. هذا أسلوب عائلي شائع. كثيرا ما ترى الأسرة العاطلة تقضي يومها في العراك والمشاجرات: الزوج مع الزوجة، والأب مع الأولاد، ينغمرون لأي سبب تافه بالعراك وتبادل الشتائم والنقد واللوم، وتمر الساعات دون أن يشعروا بالجوع.

يمكن للعاطلين أن يشغلوا بالهم في شتى المواضيع، مثلا: ضرورة القيام بحملة دينية لتدمير كل التماثيل والتصاوير والآثار الوثنية التي تركها الكفار: فرعون وعاد وثمود. حملة أخرى لمنع الموسيقى والأغاني والأناشيد. هل المدائح النبوية نوع من الغناء؟ مثال آخر: التفكير بالزي الإسلامي، هل ينبغي لدشداشة المسلم أن تكون بين الركبتين والقدمين أم تنتهي عند الركبة وتوفر له بضعة سنتمترات من القماش؟ كيف نعاقب المرأة التي يظهر شيء من شعرها خارج الحجاب؟

قد يبدو ذلك تافها ولكنه يؤدي رسالة اقتصادية مهمة في إشغال فكر الجائع وإعانته على مغالبة جوعه. والله من وراء القصد.