أكتب هذا العنوان وقلبي وعيني على العراق الحبيب. العراق الذي بدأ مع التاريخ الإنساني، واستمر شامخا بعد الميلاد، وأصبح ملاذا للحكمة وللعلم والعلماء عندما ازدهر حكم العباسيين على أيام هارون الرشيد والأمين والمأمون، رحمهم الله جميعا.
العراق الذي كنا نقول عنه البوابة الشرقية للأمة، والذي رزح تحت نير حكم ديكتاتوري غاشم أهلك الحرث والنسل وأذل الإنسان، وقد قلت دائما إن الديكتاتورية لا تأتي بخير قط، وقد أدت هذه الديكتاتورية إلى ضرب الأمة العربية في مقتل، وإلى شقها عندما ارتكب صدام حماقة اجتياح الكويت، وكان ما كان بعد ذلك من احتلال العراق وتمزيقه، وغزو العظيمة بغداد واحتلالها بجنود جورج بوش. وطالما بكيت وأنا أسمع الشاعر المبدع محمود توفيق يرثي بغداد بعد غزوها قائلا:
سلام على بغداد من كل غادر
ومـن كل خوان.. ومن كل فاجر
سلام على شطآنها ونخيلها
وتلك المغاني والربوع الزواهر
سلام على أطفالها وشيوخها
وفتيانها.. والماجدات الحرائر
إلى أن يقول ردا على الدعاوى الأميركية التي تقول إنما غزوا العراق لتحريرها يقول شاعرنا الكبير:
فما هو تحرير.. ولكن جريمة
تحل على أقدارنا والمصائر
تفيض على كل الشعوب بعارها
وتبعث أهوال العصور الغوابر!
والآن انظر إلى العراق الحبيب وإلى شعبه المغوار، الحزن والقلق يملآن عقلي وقلبي لما يعيشه العراق الآن من فرقة وتمزق بين هذه المجموعة البرلمانية وتلك المجموعة البرلمانية، وبين شيعة وسنة، وبين عرب وأكراد. هذا الشعب العظيم ما الذي مزقه هكذا شر ممزق؟ ولمصلحة من هذا التمزق؟
لست أريد أن ألقي اللوم كله على ما فعله الغزو الأميركي إبان وجوده وبعد انسحابه، ولكن أعتقد أن جزءا كبيرا من المسؤولية يقع على عاتق القيادات العراقية الحالية من كل الاتجاهات والتيارات. هذه المسؤولية تقع على النخب السياسية التي لا ترعى حرمة هذا البلد العريق. وأكاد أوشك أن أعتقد أن قاعدة المجتمع الإنساني العراقي لا تعيش هذه التحديات بين شيعة وسنة، وبين أشياع المالكي وأشياع علاوي. يعيش الشعب العراقي العادي البسيط أو أغلبه في حال من الوئام النفسي والتعايش الإنساني، وهذه هي الضمانة الحقيقية، لأن يوم الخلاص ليس ببعيد.
وأنا بحكم كوني عربيا محبا للعراق ولشعبه العظيم وتاريخه المجيد أتوجه إلى قيادات العراق من كل الطوائف والملل والنحل داعيا الجميع أن يجعلوا الوطن ومصلحته العليا فوق المذاهب والأحزاب.
إن العراق العاجز المجزأ لن يتمكن من بناء شيء للبلاد، ولا لهذه الأمة، الذي هو جزء أساسي جوهري من كيانها وتاريخها ومستقبلها، في حين أن العراق الذي يعلي مصلحة الوطن فوق كل هذه المذهبيات الخادعة الواهمة التي لا أساس لها من دين ولا من عقل سليم – هذا العراق الذي نرجوه – هو وحده القادر على بناء العراق الجديد، وعلى الإسهام في نهضة هذه الأمة التي لعب العراق بتاريخه العريق دورا أساسيا في نهضتها الثقافية والسياسية.
تعالوا نرتفع فوق الخزعبلات لنعلي بناء العراق العظيم.