إيران: لماذا لن تجدي العقوبات نفعا؟

TT

منذ أن استولى الملالي على السلطة، قبل 32 عاما، بحثت واشنطن وحلفاؤها عن «حل معجزة»، لإرغام طهران على تعديل جوانب من سلوكها.

ستكون قائمة العقوبات المفروضة على إيران طويلة كرواية «الحرب والسلام» لتولستوي. وهي تضم تجميد الأصول، وحظر الإمداد بالأسلحة، وحظر الاستثمار في صناعة الطاقة، ووضع رموز النظام على القائمة السوداء، وإصدار مذكرات اعتقال دولية بحق مسؤولين، من بينهم «المرشد الأعلى»، علي خامنئي، وإعاقة قدرة إيران على الوصول إلى أسواق رأس المال. ولم يحقق أي من تلك الإجراءات التأثير المأمول.

وعلى مدار سنوات، زعم خبراء أن منع واردات إيران من البنزين هو «الحل المعجزة»؛ فقد أشاروا إلى أن ذلك من شأنه أن يوقف تقدم القطار الخميني. وبعد مضي عامين، لم يحدث ذلك.

وشملت «حلول معجزة» أخرى إغلاق البنوك الإيرانية بالخارج، ومؤخرا، عزل البنك المركزي الإيراني. وقد اتخذت طهران رد فعل بإنشاء مصنع جديد لتخصيب اليورانيوم واستعراض قوتها في مضيق هرمز.

في يوم الاثنين، صدق الاتحاد الأوروبي على «حل معجزة» آخر: فرض حظر على واردات النفط الإيراني. بالتأكيد ربما تقول إن هذه هي القشة الأخيرة التي قصمت ظهر البعير! حسنا، لا تحبس أنفاسك، فحتى إذا ما قصمت القشة ظهر البعير، فلن تغير سلوكه. لا تسئ فهمي. إنني لا أكرر القول الشائع: إن «العقوبات لن تجدي نفعا على الإطلاق!». العقوبات تجدي نفعا بإحداث أزمة اقتصادية وخلل اجتماعي وإضاعة فرص على الدول الخاضعة لها. ومع ذلك، فإنها قلما تأتي بالنتائج التي يأملها هؤلاء الذين قاموا بفرضها.

لقد ساعدت العقوبات في عرقلة نجاح إيران. وفيما يتعلق باقتصادها، فعلى الرغم من الموارد البشرية والطبيعية الهائلة التي تمتلكها، فإن إيران قد أهدرت ثلاثة عقود. في عام 1977، كان اقتصاد إيران الغني بالموارد ضعف اقتصاد كوريا الجنوبية الفقير في الموارد. وفي عام 2011، بلغ اقتصاد كوريا الجنوبية ثلاثة أضعاف اقتصاد إيران. وفي عام 1977، بلغت قيمة الدولار الأميركي 70 ريالا إيرانيا. وفي عام 2012، أصبح مبلغ 18000 ريال إيراني يشتري دولارا أميركيا واحدا.

وفي عام 1977، عاشت نسبة 27 في المائة من الإيرانيين تحت خط الفقر. أما في عام 2012، فقد بلغت نسبة من يعيشون تحت خط الفقر نحو 40 في المائة.

لا ترجع كل جوانب الفشل الاقتصادي لإيران للعقوبات، فقد أسهم سوء الإدارة والفساد المستشري أيضا في تلك المأساة. لقد دفع الشعب الإيراني ثمنا غاليا، بينما ازداد سلوك النظام سوءا، لماذا تسير الأمور على هذا النحو؟

نتيجة وقوعهم تحت سكرة آيديولوجية جنونية، أصبح قادة إيران الحاليون أسرى نمط سلوك معين، الذي حتى إن أرادوا تغييره، لن يتسنى لهم تحقيق ذلك بسهولة. وليس الخمينيون هم وحدهم الذين يحيطون سجنهم بشبكة من خداع النفس والعجرفة والتبجح. فتاريخ إيران الحديث يحوي في جعبته الكثير من المواقف المماثلة.

في القرن التاسع عشر، استنفر الملالي بجنون للجهاد ضد «الخائن» الروسي، وتطلعوا إلى فتح علي شاه، بوصفه الغازي الذي سيمتطي حصانه الأبيض متجها إلى موسكو. صدق فتح علي، أو تظاهر بتصديق، الأسطورة، وأعلن الحرب على القيصر. كانت النتيجة أكبر خسارة للأراضي تكبدتها إيران خلال قرون. وحتى عندما اقترح البريطانيون التوسط لتقليل خسائر الشاه، لم يستطع تحمل الظهور في وضع الاستسلام.

وفي عام 1941، عندما طلبت بريطانيا والاتحاد السوفياتي، أثناء الحرب ضد ألمانيا، من رضا شاه السماح بنقل الواردات إلى روسيا عبر إيران، ونظرا لأن الشاه كان قد حبس نفسه أسيرا لسياسة «اللاتسوية»، لم يحرك ساكنا. ومن ثم، كان يجب تحريكه من خلال غزو أنغلو - سوفياتي لإيران.

وبعد أكثر من عقد، أصبح لدى إيران قائد آخر ينتهج سياسة «اللاتسوية»؛ محمد مصدق، الذي تم تعيينه رئيسا للوزراء من قبل الشاه، بعد وقت قصير من تأميم إيران قطاع النفط.

كان مصدق بالمثل مصابا بجنون العظمة، فكان كل ما بوسعه أن يفعله هو أن يقول «لا»، بما في ذلك رفض الصفقات التي تتوسط فيها واشنطن. وعلى الرغم من أن بريطانيا قد نجحت في فرض حظر على صادرات النفط الإيرانية، فإن مصدق لم يتزحزح عن موقفه. وفي الفترة ما بين عامي 1950 و1954، بعد عام من إقصاء الشاه لمصدق، عاشت إيران من دون صادرات نفطية. كانت إقالة مصدق فقط هي التي غيرت السلوك الإيراني.

إذن، لماذا يجب بالضرورة أن يجدي الحظر على صادرات النفط الإيرانية نفعا هذه المرة؟

إذا كان القصد من هذا الإجراء هو تغيير سلوك طهران، فتخميني أن هذه الوسيلة لن تجدي نفعا.

يتعلق الحظر المفروض من الاتحاد الأوروبي بربع صادرات النفط الإيرانية. أما نسبة الـ75 في المائة المتبقية، فتذهب إلى الدول المرجح أن تنضم للحظر، وحتى في حالة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، لن يسري الحظر فعليا قبل ستة أشهر أخرى.

إضافة إلى ذلك، فإن تجارة النفط اليوم تختلف عنها في خمسينات القرن العشرين، عندما عملت «الأخوات السبع» كاتحاد احتكاري يضع القواعد، وعندما يلزم الأمر، يخرق تلك القواعد. أما اليوم، فتضم سوق النفط آلاف اللاعبين الذين يوفرون فرصا أكبر لعقد صفقات في الخفاء من أي سوق إيرانية.

الأمر الأهم هو أن الاقتصاد الإيراني لا يعتمد بشكل كامل على النفط. ففي عام 2010، مثلت صادرات النفط نسبة تقدر بنحو 12 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لإيران. ومن شأن تقليل دخل النفط أن يحدث أزمة في بعض القطاعات، ولكنه يمكن أن يعزز قطاعات أخرى، وعلى رأسها الزراعة.

لقد أدى الحديث عن فرض حظر على النفط بالفعل إلى خفض قيمة الريال بشكل هائل. ربما لا يكون ذلك أمرا سيئا على المدى الطويل، بجعل الواردات أعلى تكلفة والصادرات (غير النفطية) أرخص. على سبيل المثال، اختفت صناعة الغزل والنسيج في إيران تماما بسبب الواردات الرخيصة من الصين (تحتفظ الصين بعملتها اليوان عند سعر منخفض بشكل مصطنع، بينما لا يزال الريال الإيراني باهظ السعر)، ونظرا لأن دولارات النفط تذهب إلى الحكومة، فإن انخفاض قيمة الريال من شأنه أيضا أن يقلل العجز في ميزانية الحكومة (ستكون هناك حاجة لدولارات أقل لتغطية النفقات العامة المدفوعة بالريالات).

ربما يكون هناك منعطف آخر في مسار هذه الرواية. ومن المحتمل أن يستنتج خامنئي أن بإمكانه التعايش مع خسارة بسيطة في الصادرات النفطية. وهذا بدوره ربما يجعله أكثر تحديا في اعتقاده أنه إذا ما حانت اللحظة الأخيرة، يمكنه دائما التراجع عن موقفه. وتكمن المشكلة في أن اللحظة الأخيرة تأتي وتذهب قبل أن يتاح الوقت لأبطال التحدي لممارسة ألاعيب.

وأشارت صحيفة «كيهان»، التي تنشرها حكومة خامنئي، يوم الاثنين، إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها ربما «يدركون عما قريب أنهم لا يملكون أي أسهم متبقية في حقيبة عقوباتهم».

إن صحيفة «كيهان» لم تمعن النظر في مدلولات اعتقادها. فإذا ما خلصت الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى أن طهران لن تغير سلوكها من خلال الأساليب الدبلوماسية أو العقوبات القائمة على سياسة العصا والجزرة، أو حتى عبر تهديدات باتخاذ إجراء عسكري، فماذا سيفعلون؟ إنهم سيواجهون خيارا مروعا؛ إما الخضوع للجمهورية الإسلامية أو الاتجاه لتغيير النظام في إيران.