بالأمس كان 25 يناير. نحن الآن في 28. الثورة لم تنته، لكن الاحتفالات لا بد أن تعطي مكانها للعمل. «دقت ساعة العمل الثوري»، كانت تنشد ثورة 23 يوليو. وقد محت 25 يناير مجموعة تواريخ أخرى وأناشيد أخرى وحركات تصحيحية وذكريات كثيرة، مريرها شديد المرارة.
كل تاريخ إذن، كان عرضة للنقض أو للزوال. وتبقى مصر. لقد كان ميدان التحرير مصنعا للحرية، ونرجو أن تبقي الثورة على معانيها، لا أن ترسم للناس حرية جديدة. وكان ميدان التحرير ساحة تغيير للنظام وساحة للخطابة وملتقى للملايين، والآن يحسن بالملايين أن تعود إلى مدارسها ومصانعها وحقولها وأعمالها.
التواريخ باستمرارها ونتائجها لا بمهرجاناتها. وتاريخ البشر هو مستقبلهم. والثورات ليست بمن يصل إلى السلطة ومن يرثها بل بمن يجعل التغيير خيرا للناس وتقدما لمصر ويرفع أطفالها وفقراءها من الشوارع. والحرية الكبرى هي التحرر من عبودية البطالة والرغيف والعشوائيات ومدن المقابر ومدن العراء وافتراش ضفاف النيل.
أتمنى لمصر ألا تهدر الوقت والزمن في الكلام عن الثورة أو في الوقوف على الأطلال. فوجئت أن محمد حسنين هيكل ينشر كتابا عن محمد حسني مبارك. هل أعده في عام واحد؟ هل كان يعده منذ أعوام واثقا من أن الرجل سوف يتنحى بعد 18 يوما من الاضطرابات ويختار السجن في مصر على الحرية في كل البلدان التي عرضت عليه؟
هذا هو كتاب هيكل الثاني عن رئيس خاصمه. الأول كان أنور السادات الذي سخر من بشرته والعلامة على جبينه. لا أعرف إن كان كتاب هيكل الأخير في حجم هيكل. أعرف أنني كنت أعد كتابا عن معمر القذافي منذ سنوات غير متوقع أن يسقط الرجل في حياتنا. وكانت زوجتي تمنعني من إصدار الكتاب، قائلة: هذا رجل دموي، ونحن بحاجة إليك أكثر من قرائك. وبعد سقوط القذافي بدأت في وضع الفصول الأخيرة. وكنت يوما أتحدث عن ذلك فقال لي صديقي الأمير فهد بن سعد: هل يليق بك الانتقام من رجل مذبوح؟
رميت الفكرة والأوراق. وما كنت أعتقده طوال سنين واجبا على كل كاتب عربي: أن يسهم في عدم تكرار ظاهرة غليظة ومضيعة لوقت الأمة ومشجعة على القتل في كل مكان تعرفه أو لا تعرفه. وعلى كل كاتب أن يذكر الناس أن ذلك الطاغية كان إذا اختلف مع فتح رمى جميع الفلسطينيين على الحدود. لكن ثوار الزنتان لم يبقوا مكانا للطعن في جثمان طاغية الهوس. وما فعلوه كاد يتجاوز هوايته في القتل والفظاعة. لقد قتل بيده منصور الكيخيا لأنه كان ليبيا راقيا وأصيلا.
أتمنى على قادة مصر الجدد وعلى مفكريها، وخصوصا على هيكل في موقعه، أن يعملوا من أجل موعد واحد وتاريخ واحد وشعار واحد هو مصر. أما الأرقام والتواريخ والأشهر فقد أظهرت 25 يناير أنها لا تدوم.