لماذا تعارض مصر قرار الغالبية في الجامعة العربية؟

TT

بعد سماعها لتقرير محمد الدابي، رئيس بعثة المراقبين العرب، وتفسيرات نبيل العربي، الأمين العام للجامعة العربية، في الثاني والعشرين من يناير (كانون الثاني)، حدث خلاف حاد بين الدول العربية حول ما يجب عمله في المرحلة التالية. وبينما طالبت المعارضة السورية بتحويل الموضوع إلى مجلس الأمن، حيث لم تنفذ الحكومة السورية بنود المبادرة العربية، رأى البعض ضرورة عدم تدويل الموضوع السوري وإعطاء النظام فرصة أكبر لحل المشكلة داخليا. وبينما اضطر الشيخ حمد بن جاسم رئيس وزراء قطر إلى قبول حل توافقي يقضي بمد عمل بعثة المراقبين، ومطالبة بشار الأسد بتفويض سلطاته إلى نائبه، وتشكيل حكومة تشارك فيها المعارضة، أعلن الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي أن بلاده قررت سحب مراقبيها من البعثة العربية، حتى لا تكون شاهدة زور لتبرير الجرائم التي يرتكبها النظام السوري ضد شعبه.

فبعد عشرة أشهر من بدء انتفاضة الشعب السوري في الثامن عشر من مارس (آذار) الماضي والمواجهات المستمرة بين الجيش السوري والمتظاهرين، قررت جامعة الدول العربية التدخل في محاولة للوصول إلى حل سلمي للصراع في سوريا. وعقب زيارة قام بها وفد الجامعة لدمشق برئاسة الشيخ حمد بن جاسم، أصدرت الجامعة توصياتها لحل الأزمة، ووافقت عليها الحكومة السورية دون تحفظ. لكن حكومة بشار الأسد استمرت في استخدام العنف مع المتظاهرين بذات الأسلوب السابق.

ومنذ بداية نقاش الجامعة العربية في المسألة السورية ظهر الخلاف بين دولها في موقفها مما يجري في سوريا، فبينما رأت دول مجلس التعاون الخليجي - ومعها غالبية أعضاء الجامعة الـ21 - ضرورة اتخاذ موقف حاسم لحماية الشعب السوري وتلبية مطالبه المشروعة، طالبت أربع دول بإعطاء النظام السوري فرصة لحل المشكلة داخليا. وعندما تبين أن اثنتين من الدول الأربع تقعان تحت الضغط الإيراني (العراق ولبنان)، وأن أخريين تخشيان امتداد بذور الثورة إلى بلديهما، وهما الجزائر والسودان، كانت الجامعة العربية على استعداد لتجاوز اعتراضات هذه الدول، وإصدار قراراتها بالأغلبية بدلا من التوافق.

لكن الوضع تغير بعد ذلك عندما قررت مصر - وهي دولة محورية في الجامعة العربية - الانضمام إلى الدول الأربع المعارضة، ليس فقط عن طريق وزير خارجيتها، بل كذلك عن طريق أمين الجامعة نبيل العربي. فالعربي هو الذي ينظم ويفسر ويبرر ما يحدث في سوريا، وبدلا من الاعتماد على تقارير المراقبين العرب، يعتمد في قراره على تقرير محمد الدابي، الذي يشاع عنه تحيزه للنظام السوري. وفي المؤتمر الصحافي الذي عقدته الجامعة لإعلان قرارها الأخير جاءت ردود نبيل العربي على المعارضين في شكل من الاستخفاف والتحدي. وبينما تطالبه الحكومة الفرنسية يوميا بإرسال قرار الجامعة العربية إلى المجتمع الدولي حتى يستطيع التصرف، قال العربي إن العالم ليس لديه استعداد للتدخل في سوريا. صحيح أن دول «الناتو» ليس لديها استعداد للتدخل عسكريا في سوريا، لكن مجلس الأمن لديه طرق أخرى للتعامل مع الموقف السوري. والسبب الرئيسي في عدم تدخل مجلس الأمن حتى الآن هو تهديد روسيا باستخدام حق الفيتو. ومن المؤكد أن يؤدي تحويل الجامعة العربية الموضوع السوري إلى مجلس الأمن إلى تغير في الموقف الروسي، مثلما حدث في الموضوع الليبي.

ويبدو أن اختيار نبيل العربي وزيرا للخارجية المصرية ثم ترشيحه أمينا للجامعة العربية بدلا من مصطفى الفقي، يشير إلى تغيير في السياسة الخارجية المصرية بعد ثورة ميدان التحرير. فبينما كان التقارب بين مصر والمملكة العربية السعودية هو المحرك الرئيسي لسياسة الجامعة العربية في السابق، جاء نبيل العربي ليضع نهاية لهذا التقارب ويباعد بين مصر ودول الخليج. ففي أول تصريح له بعد اختياره وزيرا للخارجية المصرية في السابع من مارس 2011، طالب نبيل العربي بإعادة علاقات مصر مع إيران، في ذات الوقت التي كانت فيه إيران تتدخل في الشؤون الداخلية للبحرين وتهدد دول الخليج وتنشر الجواسيس فيها. وبعد أكثر من ثلاثين عاما على قطع العلاقات بين مصر وطهران، صرح العربي أن إيران من دول الجوار، وأن الحكومة المصرية لا تعتبرها دولة معادية. ورغم تهديد إيران مؤخرا بغلق مضيق هرمز أمام تصدير النفط العربي، لم يصدر أمين الجامعة كلمة رفض أو احتجاج على هذه التهديدات. فهل دخلت الجامعة العربية مرحلة جديدة تقوم على الخلاف في وجهات النظر بين مصر ودول الخليج؟!

كانت المبادرة العربية تتضمن عدة خطوات يجب على الحكومة السورية تنفيذها، تتمثل في وقف استخدام العنف لقمع المتظاهرين وسحب القوات العسكرية والأمنية من المدن، إلى جانب إطلاق سراح المعتقلين والسماح للإعلام بالوصول إلى مناطق الصراع، لكن سوريا لم تنفذ أيا من هذه البنود، فما هو المبرر لمد مهمة المراقبين؟ وطالما أن الجامعة تكتفي بتقرير الفريق الدابي الذي لا يسمع ولا يرى شيئا مما يجري في البلاد، فلماذا تضييع الوقت والمال حتى تكون الجامعة شاهدة زور لما يحدث في سوريا؟

هل حقا يعتقد العرب أن بشار الأسد سوف يتنازل عن سلطاته لنائبه، ويسمح بحكومة تشارك فيها المعارضة الحقيقية، أم أن قرار الجامعة هو مجرد غطاء لمنح النظام السوري فرصة أكبر حتى يتمكن من سحق المقاومة الشعبية وفرض النظام بقوة السلاح؟ وجاء رد الحكومة السورية سريعا برفض مطالب الجامعة العربية، معتبرة أنها تدخل في الشؤون الداخلية للبلاد.