أم حسين مصابة بالاكتئاب في الكويت!

TT

بعد خمسة أيام على وجه التقريب من اليوم تكون نتائج الانتخابات للبرلمان الكويتي رقم 14 قد أعلنت، وكل انتخابات في الكويت لها طعم خاص بها، يتلون الطعم بلون القضايا المطروحة وبالتوقيت، إذا ما كان شتويا أو صيفيا! السباق يدخله هذه المرة على وجه التحديد 276 مرشحا (غير المنسحبين) يتسابقون على 50 مقعدا نيابيا، أي إن كل خمسة و«نصف» منهم يسعون جاهدين وراء كرسي أخضر واحد، يسمى مقعد البرلمان، بين المتسابقين 22 امرأة شجاعة تخوض هذا السباق المضني، بعضهن لأول مرة.

لا يريد أحد أن يعترف بأن هناك أزمة سياسية عميقة في الكويت. إذا كان تشكيل خمس حكومات وخوض أربعة انتخابات متتالية في خمس سنوات فقط وتعطيل التنمية، لا تشي بأن هناك أزمة سياسية، فما هي إذن الأزمة السياسية؟

لُبّ الأزمة أن الحال كما هو منذ نصف قرن تقريبا، ترك على حاله، فالطريقة التي خاض بها الآباء الانتخابات الأولى في عام 1962 هي نفسها التي يخوض بها الأبناء (وحتى الأحفاد في عام 2012)، العالم يتغير ونحن كما نحن! قلت الطريقة، ولم أقل المنهج، فالمنهج تغير إلى الأسوأ حتى صار الضرب تحت الحزام هو الأكثر شيوعا من الضرب فوق الحزام!

حتى التسمية تغيرت في العالم، وهي الشكل، فمجلس الأمة اسم على غير مسمى علمي، اسم مجلس الأمة سمي على ما هو في مصر وفي غيرها في بداية الستينات وكانت الموضة «مجلس الأمة»، غيّر كثيرون الاسم إلى المجلس النيابي، وبقي الكويتيون على «الأمة»!

اكتئاب أم حسين ليس على الاسم، أو على الشكل أو الطريقة التي تخاض بها الانتخابات، إنما على الموضوع، أي على «السيستم» ونتائجه، فهو نفسه، ومن يعتقد أنه سوف ينتج نوعا آخر من الممارسات التي عهدناها يخبئ رأسه في الرمال، فقد يخيب ظنه بمقدار الأطنان.

بعد أيام سنكون قد خلصنا من «معركة» ربما هي الأقصر زمنا والأكثر شراسة، رفعت التوتر الاجتماعي إلى أقصى سقف يمكن أن يصل إليه، استخدمت عبارات توصيف في البعض على الآخر المختلف سياسيا أقرب ما تكون إلى «السوقية»، أقلها التسفيه وإطلاق الألسن بالتجريح، واستخدمت طرق في السباق الانتخابي بعضها معهود، مثل شراء الأصوات، وبعضها غير معهود في السابق مثل «الإشاعات المغرضة»، تمهيدا لقتل شخصية الآخر. قليلون هم من ابتعدوا عن مثل تلك الممارسات، لقد تحول الاختلاف إلى خلاف، وتصاعدت حدة الكراهية إلى درجة أن كثيرا من العقلاء امتنع حتى عن الذهاب إلى التجمعات العامة.

القضية في تقديري لها جانبان، مشكلة نصوص ومشكلة نفوس. خيم وأعمدة وشعارات وأضواء تبيع أحلى الكلام، إلا أنه كلام، فمن عجز في السابق عن تحقيق نتائج ملموسة، لا يتوقع أن ينجح في اللاحق، إلا أنها السياسة ذات الذاكرة القصيرة.

لأي عاقل فطن، لا يوجد انتخابات تريد تحقيق أهداف سياسية دون تجمعات سياسية، الأنكى في الكويت ليس عدم الاعتراف بالحقيقة البسيطة تلك، ولكن أيضا النفور عنها ومنها، إلى درجة أنه حتى من له علاقة بشبه تجمع سياسي، حتى لو كان «هلاميا» في الغالب، يعلن أنه «مستقل» لا ينتمي لأحد، والنتيجة أن مجلسا من 50 عضوا كل واحد منهم له «أجندة» خاصة لا يستطيع التوافق عليها مع غيره، ويكون التوافق مرحليا على قضايا بعينها سرعان ما ينفض. فالانتخابات الكويتية «شخصانية» بامتياز لا يسبقها في ذلك أحد. تلك ليست ديمقراطية، إنها انتخابات، نعم ولكن ليست ديمقراطية، تأخذ البلاد والعباد إلى مكان تنموي أفضل، هي فقط تعمق الاستقطاب الفئوي والمناطقي القبلي وتشق الصف الوطني ويصل بعض آثارها إلى التقاطع والتهاجر، وتزيد في جهة أخرى من اكتناز البعض للثروة الشخصية، أو المكانة الاجتماعية التي يرغب فيها، لا توجد ديمقراطية دون تعددية حديثة ينظم الناس أنفسهم فيها!

في المجلس السابق أربع سيدات، وإن حصلنا من نتائج الانتخابات بعد أربعة أو خمسة أيام على مقعدين للسيدات، فذلك قد يكون إنجازا، لا أتوقع أكثر من ذلك. أعرف أنني أغامر بهذا الرأي، ولكنه قراءتي لما شاهدت وسمعت، المزاج اليوم مختلف. تأثير الصوت النسائي مهم، فهن نظريا 50 في المائة تقريبا من الكتلة التصويتية، ولكن هذا لا يعني أن تصب أصواتهن على بنات جنسهن.

التغيير في الأشخاص ربما يصل إلى 50 في المائة، وهي نسبة تاريخية بعضها بسبب انتقاد الناس لسلوكيات سياسية سالبة لبعض النواب السابقين، وبعضها (أي النسبة تلك) بسبب عزوف بعض النواب السابقين عن الترشح لكون العملية كلها عبثية من وجهة نظرهم.

بعد ذلك كله هناك أفراد وشخصيات رجالية ونسائية من أفضل العناصر ذات الكفاءة والخبرة والسمعة، وقد نزلت إلى الساحة وعرضت برنامجها كما عرضت نفسها إلى معركة بأسلحة خفية، وما يعوق وصولها بشكل واسع ألاعيب الساسة المخضرمين وقلة التمويل وصدق المقصد، إلا أن الحال كما هو، وسوف يبقى حتى في وصول بعض تلك العناصر إلى الكرسي الأخضر، فهي لن تجد أمامها إلا «اللعب الفردي»، والكفاءة الفردية في خضم الضعف العام وغير المنظم لا تؤتي أكلها المرجوة.

لأول مرة في الانتخابات الكويتية تلعب وسائل الاتصال الجديدة دورا بارزا، فهي ليست مكانا للإعلان على «تويتر» و«فيس بوك» فقط، ولكنها أيضا مكان لتزكية مرشحين و«شرشحة» مرشحين آخرين إلى العظم، دون حد سفلي أو قاع أخلاقي، بعض ما ينشر يندى له الجبين. ربما من هنا فإن أم حسين يعاودها الاكتئاب بعد قراءة تلك التغريدات المنفلتة. نتائج الانتخابات الكويتية ستكون نتيجتها كالآتي «يبقى الحال كما هو، والمتضرر يلجأ إلى الحائط»!

آخر الكلام:

بسبب التأثير والتأثر، فإن المتوقع أن تكون نتائج الانتخابات التونسية والمصرية مؤثرة على نتائج الانتخابات الكويتية!