روسيا تعارك أميركا لا العرب

TT

الذين يعتقدون أن «البرافدا» لم تعد تعبر عن مواقف الكرملين بعد سقوط السوفيات، يحسن بهم أن يداوموا على متابعتها. أو في الواقع على متابعة أي صحيفة روسية. فليس مفاجئا أو غير متوقع، أن تعكس صحف روسيا وجهات نظر حكومتها، وإن كانت قد تحولت من ثلاث إلى نحو مائة وثلاثين.

نقلت روسيا الأزمة السورية إلى أبعد مما هي بكثير. القضية عندها ليست عدد القتلى يوميا ولا عدد المعتقلين.. بل ما يمكن أن تساوم عليه مع أميركا. الروسي غير السوفياتي أو الشيوعي لم ينس أن أميركا تمرح وتسبح في أوروبا الشرقية التي كانت حوضا تعبث به منذ سقوط ألمانيا النازية، وفجأة صارت جزءا من الغرب، جنودها يقاتلون إلى جانب جنود أميركا في العراق وغيره.

هذه إهانات ابتلعها الدب القطبي لكنه لم ينسها. ابتلع أيضا أنه ترك جانبا في حرب الكويت لأن موسكو كانت لا تزال في مرحلة انتقالية. وتناسى أن ورقة فلسطين انتزعت منه لحظة وضع أبو عمار قدمه في أوسلو. كانت موسكو السوفياتية في كل مكان من الشرق الأوسط، تبحر في مصر وتطارد نفوذ أميركا في حرب لبنان وتتقدم سياسات المعسكر الشرقي. ثم شيئا فشيئا، لا شيء.

ما يحدث في سوريا ليس مأساة دموية بالنسبة إلى فلاديمير بوتين، ضابط المخابرات السابق في ألمانيا الشرقية، بل هو أزمة إقليمية موسعة، بل أزمة دولية تشبه في مفاصلها أزمة الصواريخ «الكوبية»: أميركا وتركيا وأوروبا والعرب، يطلبون من موسكو أن تحيد موقفها في مجلس الأمن. وهي تريد ثمنا عينيا لذلك: أن تتراجع واشنطن عن نشر صواريخها في أوروبا الشرقية، وأن تتراجع جارتها التركية الاستراتيجية عن الاندفاع في التحالف الأميركي، وأن تخفف واشنطن وأوروبا الضغط عن حليفتيها، سوريا وإيران.

ربما لم يعِ الغرب حتى الآن أن روسيا تريد العودة إلى اللغة القديمة، لغة ما قبل 1988. لغة المقايضة والخشونة والتحدث العلني عن المصالح الاستراتيجية. وهذه المصالح أقلها وليس أكثرها في طرطوس. وروسيا تعرف أنها خاسرة في الدول العربية الأخرى في أي حال. فدول مجلس التعاون سوف تزيد في الابتعاد عنها. والدول الأخرى لن تفتح أمامها أبواب التعاون الاقتصادي، بل هناك اتفاق ضمني بمقاطعتها ومعاقبتها بسبب دورها في مجلس الأمن. وهي لم تحاول التخفيف منه، أو شرح أسبابه، كما فعلت الصين.

الموقف الروسي كان بندا رئيسيا في محادثات الأمير سعود الفيصل والدكتور داود أوغلو في تركيا أمس (السبت). كل خطوة نحو مجلس الأمن مرتبطة بمجموعة حسابات روسية من دفاترها القديمة.