باي باي.. عقل!

TT

نحن، معشر النخبة العربية، نخلط بين الاختلاف في الرأي والإهانة الشخصية!

والسبب في ذلك أننا نعيش منذ قرون داخل قفص ثقافة الاستبداد.

إذا مدح الشاعر زعيم القبيلة زوجه من ابنته أو أنعم عليه بكيس من الذهب أو 20 ناقة، وإذا ذمه استحل دمه ومنع عنه التمر والسقاية من بئر المنطقة!

وترسخ هذا الشعور في الثقافة العامة للحاكم والمحكوم، فأصبح «المعارض للنظام عدوا للدولة».

وبالتالي يصبح المعارض عدوا لأجهزة الأمن التي تخلط بين الخلاف مع شخص الحاكم و«الدولة».

وبهذا المفهوم يصبح دور «أمن الدولة» هو الحفاظ على «أمن الحاكم»، وليس أمن الوطن.

أمن الدولة يحافظ على الحاكم بوصفه شرعيا، وطالما ما زال يحكم وفق شرعية الدولة ووفق معايير دولة القانون.

وإذا تأملنا الحالة السورية، فإن الأمن، هو أمن الدكتور بشار الأسد، وبهذا المنطق يصبح المعارض للرئيس مناهضا لأمن الدولة!

هذا كله يعيدني إلى سؤالي الذي طرحته في بداية المقال عن الخلط بين الاختلاف في الرأي والإهانة!

في عالمنا العربي لا نرد على الفكرة بفكرة مضادة ولكن نرد عليها برصاصة مضادة، وإذا كنا كرماء للغاية «بصقنا» في وجه معارضينا!

نحن لا نملك ثقافة استيعاب مبدأ أن هناك غيرنا قد يفكر بطريقة مغايرة قد تكون معبرة عن روافد أو مبادئ أو مصالح مناقضة لنا تماما.

وبدلا من أن نسعى جاهدين إلى حُسن الإنصات إلى أفكار الآخر ودراستها بشكل عميق لعل فيها ما يمكن أن يجعلنا نعيد حساباتنا فيما نعتقد، نقوم بشنّ حملات تشويه للآخرين!

ويصل بنا التشويه إلى حدّ اغتيال شخصية صاحب الفكرة!

نحن لا نرد على الأفكار بأفكار مضادة، ولكن نختار الطريق الأسهل الذي لا يوجد فيه أي إعمال للعقل وهو طريق السباب وتحقير صاحب الفكرة!

بدلا من أن ندحض الفكرة أو الرؤية برؤية مخالفة، نتهم صاحبها بتهم تبدأ بالكذب والخيانة للوطن وتنتهي بالكفر والشذوذ والعمالة لجهات أجنبية مقابل حفنة دولارات!

السؤال المحير: لماذا لا نبذل جهدا في الرد «الموضوعي» على معارضينا بدلا من محاولة «اغتيال وتدمير» شخصياتهم والحط من كرامتهم أمام الله والوطن والأسرة؟!

الذين لا يعرفون أصول الخلاف لن يعرفوا طريق الاتفاق.