صناعة البشر

TT

تسعى مصر لاقتراض 3.2 مليار دولار من صندوق النقد الدولي. ما الذي سيفعلونه بها؟ فكل السدود والمشاريع الزراعية نفذت. لم يبق من الأرض وماء النيل ما يمكن سقيه. وسيبتهج «الإخوان» إذا استطاعوا الرجوع بالسياحة إلى ما كانت عليه قبل «الربيع العربي». ولن يستطيع المصريون إنتاج البضائع الصناعية التي تنافس الصناعة اليابانية أو التكنولوجيا الغربية. ما الذي سيفعلونه بهذا القرض قبل أن يحل موعد تسديده؟ ربما سيستعملونه في رفع مستوى المعيشة وتوفير الغذاء والدواء للجميع. وهذا أسوأ الحلول، فلن يتمخض إلا عن زيادة نسبة الإخصاب والإنجاب. مشكلة مصر الكبرى.

جرني السؤال إلى حكاية زيارة وفد عراقي لألمانيا. فرجوهم على عبقريات الصناعة الألمانية ثم سألوهم: وأنتم في العراق ماذا تصنعون؟ تحير رئيس الوفد، ثم قال: «نحن نصنع أوادم». اندهشوا من الجواب. ولكنهم ردوا على الزيارة بزيارة بغداد. سألوهم: «فرجونا على هذا المعمل الذي تصنعون فيه بني البشر». فأخذوهم إلى حمام السوق وفرجوهم على عشرات المستحمين. قالوا لهم: هذا رجل جديد يصقل المدلك ظهره. والآخر المصوبن هناك يغرسون له شعرا على رأسه وذقنه. وهذا الصبي خرج من الماكينة توا يصبون الماء الحار عليه ليتحرك قلبه. وخرج الألمان مبهورين.

صناعة البشر هي الصناعة الحقيقية لدول «الربيع العربي». ما يطلقون عليه البطالة والعاطلين هم في الحقيقة بضائع جاهزة منتجة بدقة ولكن الأنظمة البائدة قصرت في تعليبها وتصديرها. ما على «الإخوان» الآن هو أن يقوموا بهذه المهمة فيبعثوا بوزير التجارة والصناعة إلى مانيلا ويقابل وزير العمل هناك ويسأله عن سر نجاح الفلبين بتصدير شعبها للخارج والتفاوض مع الحكومات لرعاية حقوق عمالها.

أول ما سيتعلمونه هو تعبئة هذه البضاعة للعمل في الخارج. ومن ذلك تعلم اللغات الأجنبية، لا سيما العبارات المؤدبة: أن يقولوا «Yes Sir» بدلا من «حاضر يا بيه»، و«Sorry Sir» بدلا من «أستغفر الله»، و«Thank you Madam» بدلا من «يحفظك الله يا هانم». عليهم أن يتمرنوا على الابتسام الذي نسوه، مهما أسيئت معاملتهم. الصبر على المكروه من أهم متطلبات هذه البضاعة. عليهم أن يثبتوا تفوق هذه البضاعة المصرية أو التونسية على منافساتها من الفلبين والهند وسريلانكا. وإذا كان العمل في بريطانيا فعلى الشغالة المصرية أن لا تذكر لست البيت أي شيء عن شهادتها الجامعية وما تحمله من دكتوراه في شعر المتنبي، فالإنجليز يكرهون المثقفين ولا يحبون الشعر ويعتبرون الشعراء دجالين وكذابين.

يتفوق نجاح أي صناعة على حرصها على تحسين بضائعها باستمرار. وهنا تتجلى أهمية تحسين صحة الشبيبة المعبأة للتصدير، بما في ذلك خلوها من الديدان والبكتيريا وأي جذام أو برص أو بثرات في الوجه واليدين. تحسين الهيئة وحسن المحيّا عنصر أساسي في مواصفات هذا الخط من السلع. وهذا يتطلب التمارين الرياضية وأكروبات الرشاقة وتحاشي أكل الفول والطعمية والكشري. هذا هو الميدان الصحيح لاستثمار هذه القروض استثمارا موفقا.