إياكم والكذب!

TT

مشكلة العديد من الثورات على مر التاريخ أنها تعرف تماما ما الذي ترفضه وتريد إسقاطه، لكنها لا تعرف البديل الذي تريده.

هذه الإشكالية كانت وما زالت تشكل حالة من التحدي للثورات التي قدمت الشهداء والدماء وقصص النضال من أجل إسقاط أنظمة استبدادية، وظلت تناضل على مدار سنوات حتى تحقق الحلم ويتم إسقاط النظام.

ثم يأتي يوم جديد، ويُطرح في صبيحة اليوم التالي للثورة السؤال العظيم: وماذا بعد؟ ويطرح الثوار على أنفسهم: لقد أسقطنا النظام ولكن ما هو شكل وتوجهات النظام الجديد الذي نريد إحلاله مكان النظام القديم؟

وقد تتبادر إلى الذهن إجابة منطقية تقول: إن النظام الذي نريده يمثل عكس النظام الذي أسقطناه، أو قد ترفع الثورة شعارات إنسانية عامة لا يختلف أي إنسان عليها مثل الحرية أو الكرامة أو العدالة.

الأزمة تكمن في التفاصيل، فعندما يتم الحديث عن الحرية فإن هناك عشرات الطرق الآيديولوجية والسياسية التي يمكن أن توصل الإنسان إلى المحطة النهائية للحرية. حينما نتحدث عن العدالة، فإن هناك مئات النظريات الاقتصادية التي تدعي أنها الأفضل في تحقيق العدالة الاجتماعية.

إن ما تشهده الآن الثورة في ليبيا من خلافات أو ما تعانيه التيارات الثورية في مصر من تجاذبات أو ما نقرأه عن الجدل الدائر بين التيارات الإسلامية واليسارية والليبرالية في تونس، يجعلنا ندرك أن الثورات كما قيل على مر التاريخ تجيب عن عشرات الأسئلة لكنها أيضا تخلق مئات الأسئلة الجديدة الصعبة. الثورة الواعية هي التي تدرك أن الوصول إلى الفوضى خط أحمر يجب بذل كل رخيص وغال بهدف تجنبها. الفوضى هي العدو الأول للثورات على مر التاريخ.

يجب ألا نخاف من الثورات، ولكن يجب أن نخاف عليها من 3 أمور:

1- الفوضى.

2- الانتقال من إسقاط النظام إلى إسقاط الدولة.

3- الثورة المضادة.

والسؤال الذي يجب أن يفكر فيه كل مسؤول عربي هو لماذا تقوم الثورات؟ الإجابة عندي هي فشل مشاريع الإصلاح التي تتحدث عنها الأنظمة ليل نهار وتحولها إلى فساد وفشل إداري وإخفاق في التغيير إلى الأفضل. نجاح الإصلاح هو المادة السحرية الوحيدة القادرة على عدم اضطرار جسد الجماهير إلى الشعور بالألم الموجع الذي يؤدي إلى الثورات. كم من الأرقام الكاذبة، والإحصاءات المزورة التي سمعنا عنها خلال تجارب عربية لأنظمة فقدت المصداقية إلى حد وصول شعوبها إلى الشعور بأن هذه الأنظمة حالة ميؤوس منها. الثورة هي الحل الأخير، والفاتورة الباهظة التي تدفعها الشعوب بعد فقدان الأمل ونفاد الصبر من انتظار ما لا يجيء من الوعود الكاذبة.

وكما كنا نقول لأطفالنا محذرين لهم من مغبة الكذب: «اللي يكذب حيروح النار»، نقول اليوم لبعض الأنظمة العربية «اللي يكذب حيروح للقذافي!».