هل يعني تفوق ميت رومني التجاري أنه سيصبح رئيسا ناجحا؟

TT

هناك سؤالان يتعلقان بطبيعة عمل المرشح الجمهوري للانتخابات الأميركية ميت رومني في شركة الأسهم الخاصة، «باين كابيتال». والسؤال الأضيق منهما هو: هل ساعدت شركة «باين» الشركات المتعثرة وقامت بإضافة قيمة للاقتصاد أم أنها قامت بنهب هذه الشركات المحتضرة؟ والسؤال الأكبر هو: هل نجاح رومني في العمل يعطينا مؤشرا عن إمكانية كونه قد يصبح رئيسا ناجحا؟

ودعونا نتناول السؤال الأكبر هنا، حيث يبدو للوهلة الأولى أن النجاح في عالم الأعمال يمكن أن يعد بمثابة إعداد جيد للنجاح السياسي، حيث يتعلم الرئيس التنفيذي كيفية تحديد الأولويات، وإدارة المنظمات، وصقل المهارات التحليلية. ولكن هذه الصفات تصلح أكثر في حالة تولي هذا الرئيس التنفيذي منصب العمدة أو المحافظ، الذي يتسم بكونه أكثر إدارية من منصب رئيس الدولة.

وعلاوة على ذلك، فإن أمام كل مدير تنفيذي انتقل بنجاح من عالم رجال الأعمال إلى عالم السياسة، مثل مايكل بلومبرغ، عمدة مدينة نيويورك، مديرين تنفيذيين سابقين آخرين كانوا إما غير ناجحين في مناصبهم السياسية، أو لم يتم انتخابهم في المقام الأول، مثل جون كورزاين، ودونالد رامسفيلد، ودونالد ريغان، وميغ ويتمان، وكارلي فيورينا. ولو أننا نظرنا إلى الوراء عبر التاريخ، سنرى أنه على الرغم من أن النجاح في عالم الأعمال قد يرفع من درجة وعي السياسي بالمشاكل التي يواجهها المديرون التنفيذيون الآخرون، فإنه لا يوجد ارتباط كبير بخلاف ذلك بين النجاح في عالم الأعمال والنجاح في عالم السياسة.

وتتميز الصفات التي ترتبط فعلا بنجاح رؤساء الدول في عملهم بأنها أعمق جذورا.

فأولا، يميل الرؤساء الناجحون إلى التمتع بدرجة كبيرة من الأمان العاطفي. ولا يكون لديهم أي نوع من الاستياء الاجتماعي والاحتياجات المادية الماسة التي عاناها غيرهم من الرجال، مثل ريتشارد نيكسون، فهم غالبا ما يكونون قد تربوا، بدلا من ذلك، في أسر أرستقراطية، ولديهم شعور فطري بأنهم يصلحون قادة للأمة. وقد غرس فيهم، أثناء دراستهم في مدارس النخبة الإعدادية في كثير من الأحيان، الإحساس بالالتزام والمسؤولية لأداء الخدمات العامة.

وغالبا ما يدخل الرؤساء من نوعية، جورج واشنطن، وفرانكلين تيودور روزفلت، وجون كيندي، البيت الأبيض بسهولة وثقة، دون أن يكونوا متأثرين بانتقادات العامة، بالإضافة إلى كونهم قادرين على الفصل بين القناع الذي لا بد لهم أن يرتدوه أمام الرأي العام وصدق النفس الذي يعلمون أنهم يتمتعون به. ويمكن العثور أيضا على هذا الشعور بالأمان العاطفي بين القادة العسكريين العظام، مثل دوايت أيزنهاور، ونجوم السينما الناجحين الأنقياء، مثل رونالد ريغان.

وثانيا، يميل الرؤساء العظام إلى التمتع بحس سياسي رائع، حيث يعرف أشعيا برلين، في مقاله حول هذا الموضوع، الحس السياسي بأنه «القدرة على إحداث تكامل بين عناصر ذات حجم هائل من البيانات المختلفة، المتغيرة باستمرار، والمتداخلة على الدوام».

ولدى الرئيس الذي يتمتع بحس سياسي شعور خفي بطبيعة نسيج الظروف المحيطة به، حيث يكون لديه إحساس بمكان وجود الفرص، والأمور والأشياء التي قد تتسق معا، وتلك التي قد لا تتسق، حيث تتطور هذه المعرفة الضمنية ببطء لدى أشخاص، مثل هاري ترومان أو ليندون جونسون، الذين قضوا عشرات السنين بوصفهم من السياسيين المطلعين على بواطن الأمور، والذين كان لديهم مخزون وافر من التجارب التي يمكن أن تساعدهم على اتخاذ القرار الصحيح.

كما يأتي الحس السياسي أيضا من النهم إلى الاتصال الاجتماعي، حيث يتمتع بهذا الحس القادة الذين لديهم رغبة قهرية في الاختلاط بالناس، والذين يمكن يستخلصوا، من ملايين اللقاءات الاجتماعية، شعورا بما يريده الناس، وأن يحققوا لهم ما يريدون.

وثالثا، غالبا ما يكون القادة العظام قد مروا، في كثير من الأحيان، بنكسات شخصية، حيث لا تمنحهم مثل هذه التجارب المريرة، سواء أكان ذلك الاكتئاب الذي أصاب لنكولن أو شلل الأطفال الذي أصاب فرانكلين روزفلت، شعورا بالتعاطف مع أولئك الذين يعانون في حياتهم فقط، ولكنها تمنحهم أيضا تجربة شخصية من الإحساس بالضعف، حيث يصبحون قادرين على الصمود عندما تسوء الأمور، كما أنهم يدركون جيدا مدى اعتمادهم على الآخرين، وكيف أنهم عرضة للإصابة بالغرور، إلى جانب كونهم متواضعين، لأنهم ذاقوا الإحساس بالضعف، وعدوانيين في نفس الوقت، لأنهم يعرفون كم هو صعب إحداث تغيير في أي شيء.

وأخيرا، يميل القادة العظام إلى إدراك أنهم مجرد أدوات، حيث إنهم لا يشعرون بأن مناصبهم تتمحور حول ذاتهم، وأنهم مجرد أدوات مؤقتة، وضعها الله في خدمة قضايا أكبر، فقد كان لنكولن يرى أنه أداة من أدوات الله في الحفاظ على تماسك الاتحاد، بينما كان فرانكلين روزفلت يرى أنه أداة لمساعدة الرجل العادي وهزيمة الفاشية. ويعطيهم هذا الشعور بكونهم مجرد أدوات هدفا يساعدهم على تنظيم أنفسهم، حيث يعطيهم منظورا أطول وأوسع نطاقا، ولذلك لا تلهيهم الأمور العابرة، مما يعني أن كل إدارة من إدارتهم تتحرك في اتجاه واحد فقط، على الرغم من اتسامها بالمرونة والاستعداد لقبول مكاسب إضافية على طول الطريق.

وباختصار، غالبا ما يكون الرؤساء العظام من الأرستقراطيين والسياسيين من ذوي الخبرة المطلعين على بواطن الأمور. وعلى الرغم من مرورهم بنكسات كبيرة، فإنهم يشعرون بأن يد الله تقودهم في كل خطوة يتخذونها.

وللأسف، غير مسموح لنا بالتحدث عن هذه الأمور بشكل علني في هذه الأيام، فنحن نزدري النخبوية، والخبرة السياسية، كما أصبح الفشل العظيم يعتبر «عبئا» في لغة الحملات اليوم.

وينبغي للمرشحين الرئاسيين اليوم أن يخترعوا قصصا وهمية لتبيين مؤهلاتهم لمنصب الرئاسة، من أنهم أبرياء غير معروفين، أو أنهم من عباقرة رجال الأعمال. وفي الواقع، فإن نجاح رومني كمدير تنفيذي في شركة «باين» يعد غير ذي صلة، إلى حد كبير، بمسألة كونه يصلح أن يكون رئيسا جيدا أم لا، حيث إن السؤال الحقيقي هو ما إذا كان قد اكتسب مجموعة من الصفات، مثل الإحساس بالأمان العاطفي، والحس السياسي، وإدراك أنه مجرد أداة، من خلال تربيته وتجارب الحياة الأكثر عمقا التي مر بها. وسوف نعرف المزيد حول هذا الموضوع من خلال طريقة مواجهته للهجمات الشرسة المحيطة به في الوقت الحالي.

* خدمة «نيويورك تايمز»