رئيس « منور» لمصر

TT

أطلق مرشد الإخوان في مصر، محمد بديع، الطلقة الأولى الحقيقية في الحملة المفترض أن تنطلق رسميا في أبريل (نيسان) لانتخاب الرئيس في مصر بعد انتخابات البرلمان ومجلس الشورى بتصريحاته التي أعرب فيها عن مرشح توافقي، وتمنيه ألا يترشح أحد محسوب على التيار الإسلامي، حرصا على مصلحة مصر التي أصبحت تحت المجهر وقد تُستهدف لذلك كما حدث لحماس في غزة.

كلام المرشد، على الرغم من أنه جاء أشبه بالتمني وغير معروف ما إذا كان ذلك هو الموقف النهائي للجماعة وحزبها السياسي، فإنه يحمل رسالتين للداخل والخارج بأن الجماعة لا تريد الاستئثار السياسي بعد أن أصبحت الكتلة الأكبر في البرلمان، فلا داعي للقلق، على الأقل في المرحلة الحالية.

لكن هذا الكلام، كما هو ظاهر من بيانات القوى السياسية الأخرى الإسلامية، لم يعجب البعض، خاصة السلفيين الذين فاجأوا الجميع، بمن في ذلك الإخوان أنفسهم، بالنسبة الكبيرة التي حصلوا عليها في مقاعد البرلمان في الانتخابات البرلمانية، والتي وضعت حزبهم الرئيسي (النور) في المركز الثاني تماما بعد الإخوان من حيث عدد المقاعد. فعلى حد تصريحات أحد قادة السلفيين في شريط متداول، فإن السلطة فرصة تاريخية متاحة حاليا للإسلاميين يجب انتهازها فورا وإلا ضاعت، وقد لا تتكرر الظروف التي تسمح بذلك، ولا تصح معها سياسة التدرج التي يقال إن الإخوان يتبعونها حتى يتمكنوا من إقناع المجتمع بهم، وحتى شباب الإخوان أنفسهم تشير بعض البيانات إلى أنه لم يعجبهم كلام مرشدهم.

الدلائل والظروف تؤكد أن كلام المرشد يعكس اتجاها سياسيا لدى جماعة الإخوان، وهو كلام قالوه أكثر من مرة سابقا على لسان قيادات كثيرة بأنهم لا ينوون المنافسة على الرئاسة أو ليس لديهم مرشح أو ليس لديهم موقف نهائي حاليا من المرشحين المطروحين على الساحة، والمعتقد أن ما حدث بعد الانتخابات البرلمانية دفعهم إلى واقعية أكثر في طموحاتهم السياسية بعدما أظهرت الوقائع أن الكتلة الحرجة (الثورية) التي كانت وقود ثورة «25 يناير» ما زالت ثائرة وغاضبة وقادرة على الحشد، وعلى الرغم من أنها لم تحصل على تمثيل مناسب فإنها بشكل أو آخر فرضت ما يشبه شرعية منافسة للبرلمان نفسه، لكنها في الشارع ومن دون هيكل سياسي واضح يعبر جماعيا عنها.

وجاء الإقبال الضعيف على التصويت في مجلس الشورى ليعكس من جانب آخر إما حالة ملل من جانب الناخب من عملية انتخابية طويلة، وإما التقاطا للأنفاس ومراجعة للخيارات التي جاءت بالبرلمان.

المشكلة في قراءة الواقع السياسي الحالي في الساحة المصرية هي حالة السيولة الشديدة، فلا أحد يستطيع التنبؤ بشيء قاطع، والمواقف تتغير حسب الأحداث وسخونتها، وهناك شعور بأن كل القوى السياسية الرئيسية التقليدية، بما فيها الإخوان، لديها رهبة في السعي لتحمل المسؤولية كلها في حزمة واحدة؛ لأن العبء ثقيل لا يمكن لأحد أن يتحمله وحده، أو كما يقول التعبير الدارج في مصر «لن يستطيع واحد أن يشيل الليلة لوحده». ومع ذلك فإن كل الاحتمالات والمفاجآت واردة، بما في ذلك أن يأتي رئيس «منور» مدعوم من حزب النور، أو أن يصدق كلام المرشح الرئاسي عمرو موسى في أن يكون مزاج الناخب مختلفا في الرئاسة عنه في البرلمان.

وفي الأحوال كلها فإن الحوار السياسي الصاخب الدائر في المجتمع وصراع الأفكار الجاري صحي، حتى لو بدا في بعض الأحيان مقلقا، ونتيجته الحقيقية ستكون إفراز جيل من السياسيين الحقيقيين ستكون له الساحة بعد 5 أو 10 سنوات، وكان مفتقدا في العقود الأخيرة.