الأرض.. سريعا

TT

الاقتصادي البيروفي العبقري هيرنازرو ديستو يفند ببراعة علاقة الأرض والعقار بالتطور الاقتصادي في الدول والأمم، وأن السماح بتفعيل ملكيتها ينعكس بالإيجاب على قطاعات أخرى بشكل فوري ويوافقه في هذا الطرح أبو علم الإدارة النمساوي العريق بيتر دراكر الذي يقول جملته الشهيرة: إن العقار هو القوة، ويترجم هذه الجملة بشكل أدق حين يفند ذلك بالتفسير اللاحق «إن العقار هو أبو الأصول التجارية كلها وهو أهم ضمان للاستثمار» وطبعا معروف لدى الكثيرين المثل الاقتصادي القديم «إن العقار يمرض ولكنه لا يموت» وفي الأدب العربي تبقى رائعة الكاتب الراحل الكبير عبد الرحمن الشرقاوي «الأرض» التي تعتبر أحد أهم الأعمال الروائية في التاريخ العربي وتحولت لاحقا إلى فيلم سينمائي ناجح من إخراج يوسف شاهين، حكت علاقة الإنسان بالأرض وكيف أنه بإصلاح وإعمار الأرض تتحسن الأحوال وتتطور الظروف طالما لم يكن هناك ظلم أو جور أو تعد على الحقوق.

ودائما ما تكون الأرض هي أول أهداف أي سياسات جديدة وتسمى هذه السياسات بحسب ميول أصحابها إما إصلاحا أو تأميما أو مشاركة أو تمكينا، وكلها لديها سبب وهدف واحد هو تحقيق عدالة اجتماعية واقتصادية لإصلاح الأرض وإعمارها. وتتفاوت التجارب بين الفشل الذريع والنجاح المحدود في الحالات المذكورة استشهادا، ولكن يبقى الأهم هو إتاحة الفرصة العادلة للتملك وإمكانية تمويل هذا التملك وتسجيل ملكيته وإصلاحه واستثماره سواء بالتنمية العقارية أو الزراعية، وهي دليل صارخ وواضح وصريح على التكافؤ الاقتصادي وسويته، ومن أجل تحقيق هذا الهدف النبيل تسن التشريعات وتطلق السياسات وتوضع القوانين.

ومتى ظهر الخلل كان لا بد للأجهزة المسؤولة من التدخل الفوري لإصلاح ذلك الأمر وذلك بمثل المراجعة الحادة والجادة التي تتم الآن في الدول الغربية بعد الانهيار المالي فيها جراء الإقراض الموتور والجشع باسم التمويل العقاري، فكانت تباع وتسوق ديون تراكمية دون أن يعود ذلك بفائدة حقيقية وملموسة على العامة من المقترضين بل كان وبالا ودمارا «فوريا»، إذ تسبب في خسارتهم لمنازلهم وأرضهم وبالتالي ساهم بشكل مباشر في إرساء حالة الكساد الاقتصادي الكبير والمستمر.

«مدارس» و«أفكار» التعامل مع فرص التملك وتحسينها وكسر الاحتكار وتشجيع دوران وتداول الأراضي عديدة ومختلفة سواء بوضع سقف زمني للأرض المملوكة إذا لم يتم تطويرها أو بيعها فتباع بالقوة أو رسوم وضرائب تسدد سنويا أو زكاة شرعية وغير ذلك من المحفزات لكسر الاحتكار وتطبيق الأمر على إضعاف فرص التطوير والاستثمار العقاري وطبعا هناك وسائل أخرى تضعها الدول بشكل أقوى كوضع «سقف» سعري أو ربحي بنسبة ثابتة لا يمكن تجاوزها وذلك للتحكم في الغلاء والتضخم حتى لا يتحول ذلك الأمر من غرضه للعيش أو الاستثمار الكريم والمقدور عليه إلى حلم مستحيل وصعب المنال مولدا الغضب والإحباط والقنوط.

تمليك الأراضي للمواطنين للمسكن مسألة أخلاقية بسيطة وواضحة مطلوب توفيرها من الدول، ويجب تمكين الناس من ذلك بسن الأنظمة المناسبة لذلك وتعاون القطاعات التمويلية من مصارف وشركات تطوير عقاري على عمل ذلك لأنه بنجاح هذا الأمر يتعدى كونه فرصة استثمارية واقتصادية حققت غاياتها المادية ولكنه نوع أكيد من السلامة الاجتماعية والأمن المجتمعي الذي تنشده الحكومات والدول كهدف استراتيجي أساسي وجزء حيوي من مشاريعها الوطنية الكبرى التي لا تتغير مع مرور الوقت والأزمنة.

ولا يمكن أن يكون تمويل سيارة وإتاحة فرصة تملك واحدة منها يلقى الاهتمام والمتابعة وتسخر له وسائل تمكين لتحقيق ذلك أهم من فرصة تملك أرض ومسكن من أجل حياة كريمة ومطلوبة. التحدي السكني للأرض في العالم العربي ملف يفتح واقتراحات العلاج المنشودة بات من الضروري أن يتم البت فيها سريعا.

[email protected]