الريال اليمني وإخوانه

TT

لا تعني لي كثيرا المسائل الكبرى التي لا أستطيع فيها أو إليها سبيلا. مثلا، كالوحدة العربية الكبرى التي سخفها مهرج الجماهيرية، إما لحساب قوى لا نعرفها، أو فقط لحساب جهله وتهريجاته الغليظة. وكلاهما أسوأ من الآخر. ولم أخدع النفس بالوحدة كما في أيام الحلم، بل يدي على قلبي من أن تتفتت الدول نفسها، ولا نعرف لحساب أي قوى، أم هي مجرد عبقرية قديمة.

دعونا نبحث في القضايا الصغيرة. كمثل الذين يموتون بردا هذا الشتاء. ومثل الذين لا يشبعون. ومثل الملايين (أكرر، الملايين) الذين يحلمون بالهجرة إلى بلدان، لا يعتبر فيها الرغيف والحرية والكرامة والمدرسة، قضية كبرى وحلما لا يبلغه إلا العدد القليل. ضيقت كندا جدا قوانين الهجرة: لم يعد في إمكان الأخ أن يكفل أخاه. لم ولم ولم ولم. ولكن، لا يزال في استطاعة الحفيد أن يدعو جده وجدته، لأنهما في حاجة إلى عناية الشيخوخة! تلك هي القضية الكبرى في كندا: الإنسان، حتى لو لم يكن مواطنا. لا قضايا أخرى تقريبا: الإنسان وكرامته البشرية بكل وأرقى معانيها.

هل تعرفون ما النبأ الجيد الوحيد الذي خرج من صنعاء خلال عام؟ أن الريال اليمني تحسن قليلا. وليس للأسف الجنيه المصري والليرة السورية. وأما ظهور الكهرباء في اليمن ولبنان وسوريا، فقريب من معدل ظهورها في العصر الحجري. تخيل مدينة مثل بيروت، «مدينة الإشعاع» هذه، أسيرة العتمة وغلظة السياسة والفساد وغياب الحياء والخجل والضمير.

لا وجود للقضايا الصغيرة في العالم العربي، كالإنسان والحياة والكرامة البشرية. المواطن مدعو منذ زمن إلى ساحة تلقى فيها الخطب بالأسلوب والفكر الجاهلي. مفاخرات سخيفة لا تصلح إلا لحكايات عنترة. وإلهاء منظم وعقيم للناس عن حقوقها، ومنعها من التأمل في واقع ما قبل الجاهلية. إلا فلا تجهل علينا، هذا هو شعور المرحلة.

شعب ينتقل من المسلسلات المكسيكية إلى المسلسلات التركية. فقط عندها ينتفض لانقطاع الكهرباء. لأن المرأة التي لا عمل آخر لديها تريد أن تطمئن إلى ماذا سيفعل مهند غدا. انتفض الشعب العربي أخيرا عندما اكتشف أن حتى الكهرباء منَّة وأنه لا يزال يشرب المياه مليئة بالأمراض وأنه يلد لكي يسلم أولاده إلى المجهول، أو إلى مصير لا يختلف في شيء عن مصيره وحياته وبؤسه وذله أمام المستشفيات ومخافر الدرك ومكاتب البكوات الجدد.

مول مهرج الجماهيرية كل فرقة عربية وكل سفك دماء، معلنا نفسه أمين الوحدة العربية الكبرى. وتكفل الوحدويون الآخرون بالأمر دون تمويل. يا أمة!