الحوار التركي ـ الخليجي.. نقلة نوعية في أكثر من اتجاه

TT

القمة التركية - الخليجية الرابعة التي عقدت في إسطنبول على مستوى وزراء الخارجية وسط الكثير من الأزمات والمشاكل الإقليمية والدولية، رسالة ببعد استراتيجي للتجمعات العالمية التي تفاخر دائما بقواها وقدراتها على حشد القيادات وأصحاب رؤوس الأموال تحت سقف واحد لرسم السياسات وإقرار الاستراتيجيات الواجب تصديرها إلى مناطقنا لتنفيذها والالتزام بها.

الشراكة التركية - الخليجية بعمرها القصير بالمقارنة مع الكثير من التكتلات والمنظمات الإقليمية والدولية تحولت إلى حقيقة واقعة، وهي ستشكل نقلة نوعية تتعدى التعاون التجاري والاقتصادي والتمويل المشترك إلى منظومة متعددة الأهداف والجوانب وفرصة ربما لانتشال شعوبنا وأنظمتنا من الكثير من أزماتها وخلافاتها، وخطوة على طريق رسم مستقبل المنطقة بصناعة محلية تأتي تكملة لثورات «الربيع العربي» والتحول المطلوب من قبل القواعد والقيادات على السواء وبأسرع ما يمكن.

داود أوغلو قال إن التحديات التي تنتظرنا كبيرة لكن طاقاتنا وقدراتنا هي أكبر من ذلك بكثير يكفي توحيدها واستخدامها بالشكل الصحيح. القيادات الخليجية تقول بدورها إن تركيا تبنت طروحات الجامعة العربية ومواقفها حيال أكثر من أزمة عربية وإقليمية، وإن هذا التعاون والانفتاح التركي - الخليجي ليس تكتلا عدائيا ضد أحد، من يريد أن يستبعد نفسه هو الذي يهمش دوره ويبتعد عن المشاركة في مسيرة حمل الأمن والاستقرار إلى المنطقة.

تجربة عمرها 5 سنوات لا أكثر، لكن نتائجها على الأرض والإنجازات التي حققتها خلال هذه الفترة القصيرة تعكس حقيقة أن قدرات وغنى المنطقة باستطاعتها أن توفر لها الأمن والازدهار وتؤمن لشعوبها الاستقرار والرفاهية وسط كل هذه الأزمات الاقتصادية والمالية التي يعيشها الغرب.

الحوار الاستراتيجي بدا عمليا في قمة الكويت عام 2008 وتمت ترجمة المقررات إلى خطوات تنفيذية ابتداء من عام 2010 في قمة جدة ثم كرت السبحة. ولنترك الأرقام والمشاريع تعبر عن نفسها هنا.. حجم التبادل التجاري بين دول الخليج وتركيا كان عام 2000 قد وصل إلى ملياري دولار فقط، في عام 2010 ارتفع إلى 20 مليارا. ولنفسح المجال هنا أمام الاتفاقيات والعقود الموقعة لتقول الرقم.. الهدف لما بعد 5 أعوام، مضاعفة الرقم الحالي على أقل تقدير.

جدول الأعمال هذه المرة ناقش مطولا أزمات المنطقة ومشاكلها والحاجة إلى تنسيق المواقف والسياسات حولها لقطع الطريق على مضاعفات تطيح بما تم إنجازه حتى الآن. إجماع على ضرورة توفير الحلول العاجلة للأزمة السورية والقضية الفلسطينية ومساعدة العراق على الخروج من محنته وتقدير كامل لما أنجزته الثورات في شمال أفريقيا وفي مصر حتى الآن على طريق التغيير والإصلاح.

القرارات الأخيرة الصادرة عن القمة الرابعة بين دون مجلس التعاون الخليجي وتركيا تشير إلى إرادة مشتركة لتعميق التعاون ورغبة قوية في تأطير وتوسيع مجالات هذا التعاون ليتجاوز التجارة والاقتصاد والاستثمار المشترك، ليشمل المواصلات والصحة والسياحة والبيئة والطاقة والإعلام. الهدف الأساسي البعيد المدى هو تأطير التعاون الإنمائي والأمني والسياسي والعسكري الكفيل بتوفير المزيد من التقارب والانفتاح بين العرب والأتراك الذين عاشوا لقرون تحت رحمة التاريخ المؤلم في علاقاتهما ولم يخرجا منه، لأن الطرف الثالث اعترض دائما على ذلك. دول الخليج من دون قراءتها المميزة لمسار الأحداث في المنطقة وتعاملها معها ببراغماتية وواقعية وعملية ما كانت ستتحرك باتجاه فتح الأبواب أمام نقلات استراتيجية من هذا النوع نحتاج إليها جميعا في هذه المراحل الصعبة التي تعيشها دولنا وشعوبنا.

بينما كان داود أوغلو يتوسط وزراء خارجية مجلس التعاون لدول الخليج لالتقاط الصورة التذكارية لتكون رسالة إلى العالم حول قوة وقدرات هذا التكتل الذي يصر الأتراك وقيادات دول الخليج على تحويله إلى بحيرة سلم إقليمي، كانت آخر الأنباء الواردة من طرابلس الغرب تقول إن سيف الإسلام القذافي نجل العقيد الراحل قاد الثوار إلى مخابئ سرية للأموال والذهب التي كان والده يخزنها لاستخدامها عند الضرورة، وذلك بهدف المساومة لتأمين تسليمه إلى محكمة الجزاء الدولية التي تطالب بمقاضاته في جرائم ضد الإنسانية والمشاركة في مجازر وإبادات جماعية استهدفت المدنيين الليبيين.