جريدة الوقائع المصرية

TT

قبل الثورة، كنت أتابع أخبار مصر من خلال «الأهرام» و«الشروق» و«المصري اليوم» وما يكتبه رفاقنا هنا. وبعدها صرت أسهر وأنام على «دريم» و«الحياة» وأقضي النهار خلف مندوبي ومندوبات «العربية» في ميدان التحرير. منذ فترة غير قليلة صرت أكتفي بما يكتبه الرفاق، ولا شيء آخر، ولا منتدى منى الشاذلي ولا البحث عن جلال أمين.

لم يحدث ذلك لأنني صرت أقل محبة لمصر، أو لأنني أصبحت أكثر خوفا عليها، بل لأنني، بكل صدق وصراحة، لم أعد أفهم شيئا من أخبار مصر. لا أعرف ما هي صلاحيات المجلس العسكري، ولا أين هم «الإخوان» ولماذا لا يزال الشبان في ميدان التحرير، ومن هم، وماذا يريدون. ولم أعد أفهم ما هو المقصود «بحماية الثورة»، ما دامت قد صارت هي الدولة، ولا على من تطلق صفة الثوار، ما دام «الإخوان» والسلفيون يحتلون 75 في المائة من مجلس الشعب. ولم أعد أفهم معنى مصطلح «فلول العهد البائد» بينما سيد العهد البائد محمول على سرير طبي وابناه بلباس الممرضين الأبيض، وأركانه في ليمان طرة الذي مر على قاووشه مختلف فئات وأنواع رجال مصر، منذ 1952. أما العهد الملكي وحكومة الوفد فكانا ينفيان المعارضين إلى أوروبا، أحمد شوقي وبيرم التونسي، مثالا.

أقول إنني لا أفهم، ولست أمزح ولا أبالغ، ولا أبحث عن موضوع مقال. فجأة رأينا أنفسنا نغرق في آلاف المقالات «الشارحة» لما حدث، كما جرى بعد 1967، وتلك مرحلة استمرت نحو ربع قرن: مؤامرات وتحليلات واستراتيجيات وبطولات، والنتيجة واحدة: محاولة فهم قضية ليس من السهل فهمها.

والآن يحاول الجميع - بنيات حسنة دون شك - أن يشرحوا لنا لماذا نزلت مصر إلى ميدان التحرير ولما عادت منه اقترعت لـ«الإخوان». أو ما هي العلاقة بين المجلس العسكري وبين بقية مؤسسات الدولة والوطن، ولمن يسلم المجلس صلاحياته، وما هي صلاحياته في الأساس ومن أعطاه إياها ومن سيأخذها منه، ومتى؟

أشعر بشيء من المرارة الآن عندما ألمح ميدان التحرير يتحرك ولا أتوقف لأرى لماذا. وأقدر طبعا في بعض المصريين إصرارهم على إعدام حسني مبارك الذي تنحى بعد 18 يوما، بينما لا تزال ليبيا وسوريا واليمن تتطاحن. لا أعرف عدد أخطاء حسني مبارك، لكنني أعرف أن أفظعها احتقاره للدستور وازدراء إرادة الناس، أما أن يكتشف الجميع الآن أنه لم يكن حتى طيارا جيدا، فمسكين حسني مبارك. ما كان أغناه وأغنى مصر عن هذه النهايات المؤسفة. حتى «الشروق» تشير إليه بصفة «المخلوع»، مع أن كلمة السابق تليق أكثر بمصر.

لا بد أن يكون في قدرة جهة ما على إبلاغ ميدان التحرير بأن الثورة قد انتهت، وأن الدولة الجيدة لم يعد ينقصها سوى رئيس الجمهورية. وكعربي سوف أقترح عمرو موسى، لأنه يعرف كيف يعيد مصر إلى مصر وكيف يعيدها إلى العرب والعالم. مصر في حاجة إلى رجل يحقق مصالحتها الكبرى. رجل يحبه البسطاء على طريقة شعبان عبد الرحيم ويثق بقدرته الجميع.