الكويت: معركة رئاسة مجلس الأمة بدأت قبل نتائج الانتخابات!

TT

من الصعب أن تجلس مع أي كويتي في هذا «الموسم» إلا ويكون هاتفه الجوال ثالثكما، بسبب الرسائل الكثيرة التي يتلقاها من المرشحين أو ممن يتولى إرسال تشنيعات عن المرشحين، كما أن الـ«تويتر» شارك في الحملات الانتخابية والاتهامات المتبادلة بين المرشحين ومؤيديهم.

عدد النواب عن كل دائرة من الدوائر الخمس في الكويت عشرة، أما عدد المتنافسين فيتراوح في كل دائرة ما بين 70 إلى 80. أما الألقاب السائدة فهي: المنتشون، المؤزمون، القبيضة.. ثم هناك النساء. عدد المرشحات كبير والأغلبية منهن اعتمدت برامج، وبينهن مرشحات من بنات العشائر.

أما الصراع بين المرشحين، فكبير وواسع، ويصل إلى ما يسمى بـ«الحرتقات»، كما حصل مع المرشح نبيل الفضل. هو ليس من النوع الذي يحب المهرجانات أو الديوانيات الكبيرة، إنما ترشح كتحد. ليس له مقر انتخابي ولم يأخذ إجازة من عمله في صحيفة «الوطن».

حجز في أحد الفنادق الكويتية، ودفع بدل القاعة ستة آلاف دينار قبل فترة. حميت المعركة الانتخابية، اتخذ أصحاب الفندق قرارا بإلغاء الحجز، فخطه السياسي مخالف لخط صاحب الفندق. تم إبلاغه في اللحظات الأخيرة، فهرع لإيجاد قاعة فندق آخر، وعمل مساعدوه على إبلاغ المؤيدين عن المكان الجديد، فإذا بنشطاء الـ«تويتر» يهزأون منه: «ما لك إلا الخيام».

في تلك الليلة شن الفضل حملته على الإخوان المسلمين، وقال إنهم «كارثة هذا البلد». وقرأ رسالة وجهها رئيس مجلس الشعب المصري الجديد إلى الكويتيين، ينصحهم باختيار «نواب يناسبون الربيع العربي».

تنشق الإخوان المسلمون في الكويت «نسيم قوة»، على أساس أن «إخوانهم» فازوا في انتخابات دول «الربيع العربي»، لكن، كما يقول المرشح محمد الصقر (سابقا كان نائبا ورئيس البرلمان العربي): «نجح الإخوان المسلمون في تلك الدول، لأنهم كانوا المنظمين الوحيدين. هنا كلنا منظمون».

الحكومة الكويتية تعتبر أن هذه الانتخابات استثنائية. فالدول العربية التي جرت فيها انتخابات أخيرا، كانت بسبب ما شهدته من أحداث دموية، وفرار رئيس، واعتقال آخر وقتل ثالث.

أما الكويت، وكما يقول محمد الصقر، فإن ربيعها العربي بدأ عام 1962، والتغيير فيها سيحصل داخل مجلس الأمة. ويضيف: «الفساد في الكويت مثله مثل كل دول العالم، إنما فيها الحد الأدنى من التمثيل الشعبي، والحد الأدنى من تداول السلطة، والحد الأدنى من الممارسة الديمقراطية، لكن، لن تبقى السنوات العشر المقبلة أي دولة عربية بمنأى عن التغيير».

ما يطمئن الكويتيين خصوصا، والخليجيين بشكل عام، أن حكامهم لم يأتوا على ظهور دبابات، لكنهم، وعلى وجه التحديد السياسيون منهم، يشعرون بأنه لا بد لحكام الخليج من إعطاء الشعوب مجالا أكبر في المشاركة، ويرون أن التغييرات في دولهم ستدفع الحاكم للعمل على إصلاحات سياسية، لا مفر من إجرائها.

ويقول الصقر عن المواجهة بين المعارضة والحكومة، إنها لم تحصل إلا من أجل تحقيق إصلاحات يرى المعارضون أنها ضرورية، لا من أجل أي أمر آخر على الإطلاق، كقلب النظام.

وفي ندوة انتخابية عقدها أحمد السعدون، دعا إلى السماح بالأحزاب، وطالب بزيادة عدد النواب من 50 إلى 75. ويقول لي أحد السياسيين الكويتيين: «50 نائبا يكفي.. 75 مصيبة». جماعة السعدون تسمي دعواته «ربيع التغيير».

في الدستور الكويتي، الأمير يعين رئيس الوزراء بالموافقة اللاحقة لمجلس الأمة، ويستطيع المجلس أن يرفض، وهو أمر لم يسبق أن حصل. الآن السعدون يريد تغيير الدستور، في حين أن أكثر من نصف الكويتيين لا يوافق على طرحه، لأنه يؤدي إلى عدم الاستقرار، ويقلب التوازن الموجود. فالكويت قائمة على التوافق. السعدون يريد أن تكون القوة بيد من يفوز.

الحملة الانتخابية الحامية الوطيس تبدو وكأنها مستعجلة استعدادا لمعركة أهم تدور حول رئاسة مجلس الأمة.

المرشحان الرئيسيان هما أحمد السعدون ومحمد الصقر. هناك أسماء أخرى مطروحة، مثل علي الراشد (كان في التحالف الوطني، انشق ويخوض المعركة مستقلا ويعتمد على أصوات الشيعة).

عبد الله الرومي، نائب رئيس المجلس السابق، حظوظه ضعيفة، وقد لا يترشح. الصراع الحقيقي هو بين الصقر والسعدون، لكن الاثنين ينتظران نتائج الانتخابات ونوع المجلس الذي ستسفر عنه. الصقر مقبول أكثر من السعدون. لأن الرئاسة تتطلب رئيسا يكون على علاقة جيدة مع أغلب الأطراف، والصقر على علاقة جيدة بالحكومة والمعارضة على حد سواء.

يقول الصقر: «أنا ضد أي إصلاحات سياسية في الكويت الآن. إنها تحتاج إلى تعديل الدستور، وهذا يحتاج إلى توافق».

تعديل الدستور في الكويت يحتاج إلى ثلثي أصوات المجلس بموافقة الأمير. الآن كل مجموعة سياسية في الكويت تطالب بتغيير المادة التي لا تناسبها في الدستور. هناك صراع سياسي.

أحمد السعدون علاقته متوترة مع الحكومة، هو من فئة «المنتشين»، تحالف مع الإسلاميين ومع زعيم السلفيين لإسقاط الحكومة السابقة، والآن يطالب بتحييد الحكومة (الوزراء في الكويت يصوتون في معركة رئاسة المجلس). الحكومة ترفض طرحه، وترد أن هذا من حقها. الصقر يطالب الحكومة بألا توجه، «هذا حقها الدستوري، لكن لينتخب كل وزير حسب قناعاته».

للسعدون والصقر عداوات. إنما أعداء الصقر لم يصعّدوا ضده في هذه الانتخابات. أما السعدون فقد عادى الشيخ ناصر المحمد الصباح، رئيس الوزراء السابق، ثم إن رئيس المجلس السابق، جاسم الخرافي، لا يريد أن يخلفه السعدون، وهناك كتلة كبيرة من أعضاء المجلس ضده. هو محبوب عند جزء من العشائر، وعلاقته متوترة مع الشيعة والسنة الحضر (أبناء المدينة).

الآن، إذا لم يترشح علي الراشد، فالمرجح أن يؤيد الشيعة الصقر. تقول لي إحدى الكويتيات إن مشكلة السعدون كمشكلة ميشال عون في لبنان (...) فهو عام 1999 وعام 2000 ترشح لرئاسة المجلس ضد الخرافي، ويعتبر أن حكومة الشيخ سعد العبد الله آنذاك أسقطته، وجاءت بجاسم الخرافي. يلف نظري أن الصقر والخرافي ليسا بصديقين (قد يكون العكس هو الأصح، فالصقر صوت في المرتين لصالح السعدون).

في البرلمان الجديد، لن تكون هناك كتلة مسيطرة، الكل سيكونون متساوين، أقوى مجموعة ستكون المجموعة الشيعية من 7 إلى 9 نواب. هناك دعوة ضرورية إلى مصالحة داخل الأسرة الحاكمة، فإذا تم هذا، وجاء رئيس الوزراء الجديد، جابر المبارك، بحكومة قوية تطبق القانون، فلن تبرز بالتأكيد أي كتلة على باقي الكتل.