رياح «الربيع» تلفح المقاومة

TT

مغزى زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، للأردن ولقائه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني (بوساطة قطرية)، قد يلخصه، على المدى القريب، تأكيد مشعل حرص حماس على احترام «حدود أي علاقة يحددها الجانبان وسقفها». لكن مغزاه، على المدى البعيد، يبدو أبعد من عودة حماس إلى شكل من أشكال التنسيق السياسي مع الأردن (عوض سوريا وإيران). من هنا ما يوحيه اللقاء بتفاعل الحركات التي تلتزم نهج المقاومة المسلحة مع روحية «الربيع العربي» - في انقلابها على الذهنية الشمولية على الأقل. ويعزز فرضية انفتاح حركة حماس على عصر «الربيع العربي» ترحيب جماعة الإخوان المسلمين، عبر موقعها الإلكتروني في الأردن، بلقاء عمان ووصفه بـ«التاريخي».

من المبكر طبعا الاستنتاج أن لقاء عمان دليل أولي على بدء تفاعل حركات المقاومة العربية مع الديمقراطيات الناشئة في محيطهم. لكنه، قطعا، دليل عملي على بدء تساؤلها – كي لا نقول تشكيكها – بجدوى ما يسمى سياسة «الممانعة» في استعادة حقوق الفلسطينيين المشروعة في أرضهم وجدوى رهن التسوية الفلسطينية باستراتيجية إيران الشرق أوسطية.

قد لا يشكل تقارب حماس والأردن انقلابا «ربيعيا» على دبلوماسيتي سوريا وإيران الشرق أوسطية، لكنه يعكس قلق حركة حماس – وربما حزب الله اللبناني - على مستقبلهما كحركات مقاومة مسلحة في حال انهيار النظام السوري أو وصول أكثرية إصلاحية إلى البرلمان الإيراني في الانتخابات المقبلة تختار التصرف، إقليميا ودوليا، كدولة لا كثورة.

إذا جاز تقديم الواقع على الأماني في تقويم تطورات الشرق الأوسط على مدى العقد الماضي، يتضح لأي مراقب موضوعي أن سياسة «الممانعة» لم تتوصل إلى تحرير شبر من أرض الجولان المحتلة – ناهيك عن أرض فلسطين - ولا استراتيجية إيران «الإسلامو - خمينية» دفعت القضية شبرا إلى الأمام على مسار التسوية المنصفة، بل على العكس ردت القضية الفلسطينية إلى المرتبة الثانية من الأهمية في ملفات الشرق الأوسط الساخنة بعد أن تحول ملفها النووي إلى «الخطر الأول» الداهم في المنطقة. وهذا الواقع أتاح لنتنياهو فرصة استغلاله في تجاوز التعامل مع ملف التسوية الفلسطينية إلى حد تجاهلها تماما في الآونة الأخيرة.

وعليه، وانطلاقا من «الخطر الإيراني» المثار ظرفيا بوتيرة وتوقيت مدروسين، توصل نتنياهو إلى إشاحة أنظار العالم عن عمليات التهويد المتمادي للقدس الشرقية واستراتيجية الاستيطان الإسرائيلي المتواصل للضفة الغربية، كما استطاع التغطية على الأصوات المنددة بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

ربما كان سابقا لأوانه الحديث عن تأثير نسمات «الربيع العربي» على مقاربة حركات المقاومة العربية للقضية الفلسطينية. وعلى الرغم من أنه من غير المفترض أن تتخلى هذه الحركات عن خيار المقاومة المسلحة - بعد أن أثبتت حكومات إسرائيل اليمينية المتتالية أنها لا تتفهم إلا منطق القوة - فإن خيار منح القنوات الدبلوماسية فرصة ثانية للتوصل إلى حل تفاوضي للنزاع أصبح واردا، علما بأن حكومة نتنياهو ركزت جهدها على إحباطه، الأسبوع الماضي، عبر تقديمها مقترحات تستدرج قبول الفلسطينيين بالمفهوم الصهيوني لـ«أرض الميعاد»، ومن ثم تحميلهم مسؤولية فشل العملية التفاوضية في حال رفضهم لها.

موفد نتنياهو إلى لقاءات عمان «الاستكشافية» مع الفلسطينيين كشف عن نية رئيسه في وأد مسعى «اللجنة الرباعية» لإعادة إحياء المسار التفاوضي الفلسطيني – الإسرائيلي بإحجامه عن تقديم خريطة توضح حدود الدولتين، الفلسطينية والإسرائيلية، تستند على حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967 (مقرونة بمشاريع تبادل أراضٍ بين الجانبين)؛ لذلك تبدو عودة حركات المقاومة إلى إلقاء ثقلها في سلة دبلوماسية التفاوض خطوة تكتيكية مطلوبة، في هذا المنعطف بالذات، لتعزيز موقف «اللجنة الرباعية» الدولية - التي حددت جداول زمنية للسير في مشروع «الدولتين» - وبالتالي إحباط مناورة نتنياهو للتنصل من هذا الاستحقاق.