إيران: بحث يائس عن تطهر

TT

مع نشر أسماء «المرشحين المصرح لهم» من قبل مجلس الأوصياء، يبدو أن حملة الانتخابات البرلمانية في إيران بدأت بشكل جاد. وعلى الرغم من ذلك، فإن بعض الملالي والساسة المعروفين باسم «إصلاحيين» يطالبون بمقاطعة الانتخابات.

أعتقد أنهم مخطئون وأن مناوراتهم لن تكون في صالح الشعب. لكن، قبل أن أوضح السبب، دعوني أولا أوضح بعض النقاط.

بادئ ذي بدء، لم أصوت من قبل قط في أي انتخابات نظمها النظام الخميني ولن أدلي بصوتي هذه المرة بالمثل. والسبب أن هذا النظام لن يسمح لأي من الأفراد الذين يحتمل أن أمنحهم صوتي بخوض الانتخابات. إضافة إلى ذلك، أعتقد أنه في ظل نظام يمكن فيه لملا واحد أن يفرض سيطرته على قرارات كل أفراد النظام، لا يمكن أن يكون «مجلس الشورى الإسلامي» سوى برلمان مصطنع.

إن أي شخص على دراية بالموقف في إيران سيدرك أن الإيرانيين متفقون حول كيفية التعامل مع نظام يعده كثيرون فاسدا.

والبعض - وأنا من بينهم - يؤيد تغيير النظام، وهذا يعني حل النظام الخميني والاستعاضة عنه بنظام يختاره الشعب.

ربما يعمد أنصار «تغيير النظام» إلى توجيه جهودهم بشكل خاطئ. قد يكون السواد الأعظم من الإيرانيين غير مؤهل لتغيير جذري وفرعي آخر في منهجية حكم الدولة. كذلك، من المحتمل ألا يكون تغيير النظام أمرا ممكنا على المدى القصير. فقد يتطلب الأمر أعواما، بل عقودا، للتخلص من آفة النظام الخميني التي استشرت في إيران منذ 1979.

كمفكر، أعتبر أن واجبي أن أعرض الأمر وفقا لرؤيتي له، مع اعترافي باحتمالية أن أكون مخطئا. لا أعتقد أن هذا النظام لديه القدرة على الإصلاح، تماما كما كان نظام صدام في العراق ونظام القذافي المستبد في ليبيا. ومع ذلك، فإن ثمة تيارا آخر مقتنعا بالعكس. دعونا نطلق على هذا التيار اسم «معسكر الإصلاحيين»، مع أنه لم يقدم اقتراحا واحدا لإصلاح أي جانب مهم من النظام الخميني.

إن كثيرا من الشخصيات «الإصلاحية» البارزة هم أشخاص شغلوا مناصب في النظام على مدار عقود. وتتمثل شكواهم الرئيسية الموجهة ضد النظام في كونهم يخاطرون بخسارة امتيازاتهم والنفوذ الذي يتمتعون به في تشكيل السياسات. بعد ذلك، هناك هؤلاء الذين فقدوا وظائفهم، وفي حالات متزايدة، آثروا النفي في الغرب.

ومن ثم، يكون انتقاد هؤلاء الأشخاص لمن حلوا محلهم في مناصبهم أمرا مفهوما. وحتى في الأنظمة الديمقراطية، عادة ما يتجه هؤلاء الذين فقدوا مناصبهم لانتقاد من خلفوهم في شغلها.

من الطبيعي بالنسبة للرئيس السابق هاشمي رفسنجاني أن يشعر بغصة من «المرشد الأعلى» علي خامنئي. فعلى مدار عقود، زعم رفسنجاني أنه قد «ابتكر» خامنئي بالدفع به إلى قمة الهرم السياسي. والآن، بعد أن أصبحت للدمية – التي كان يحركها ويؤدي صوتها أحدهم نيابة عنها - حياة خاصة بها، يجب ألا نُفاجأ بالمرارة التي تعتمل في نفس المؤدي الصوتي. كذلك، يجب ألا يمثل استياء الرئيس السابق محمد خاتمي من خليفته في الحكم مفاجأة؛ لقد أوقف الرئيس محمود أحمدي نجاد منح الأموال العامة لمنشأة أقامها خاتمي (هناك تقارير غير مؤكدة تفيد بأن «السلطات» قد استولت على جواز سفر خاتمي).

إذن، لماذا يكون «الإصلاحيون» مخطئين بمقاطعتهم الانتخابات؟

أحد الأسباب أنهم من خلال هذا العمل، يثيرون حالة من الارتباك. فالإيرانيون الراغبون في تغيير النظام مجمعون في الرأي بشكل غير مسبوق على مقاطعة الانتخابات. ومن خلال محاولتهم الإمساك بالعصا من المنتصف، يأمل «الإصلاحيون» الإيرانيون في تحريف رسالة المقاطعة الجماعية المتوقعة. ويرغب معسكر «تغيير النظام» في أن ينظر للمقاطعة على أنها رفض للخمينية ككل، وليست فقط تعبيرا عن مشاعر الغضب تجاه المجموعة التي تمسك بتلابيب السلطة الآن.

في أي نظام، يقبل هؤلاء الذين يدعون إصلاح النظام قواعد اللعبة التي يضعها. إن «الإصلاحيين» الإيرانيين لا يمكنهم الحديث بلسان متشعب. ولا يمكنهم الادعاء بأن الانتخابات في الجمهورية الإسلامية كانت حرة ونزيهة بالدرجة الكافية، ما داموا هم أنفسهم ينتخبون ويمارسون السلطة.

لقد كان لانتخاب محمود أحمدي نجاد رئيسا في عام 2009 مميزاته وعيوبه، كحال جميع الانتخابات الرئاسية السابقة في الجمهورية الإسلامية. وينطبق الأمر نفسه على الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في شهر مارس (آذار) المقبل.

في الانتخابات الخمينية، لا يمنح الشعب حق الاختيار، نظرا لأن المرشحين المصدق عليهم من قبلُ فقط هم الذين يحق لهم خوض الانتخابات. وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا الإجراء يتيح الفرصة للناخبين في الاختيار من بين فصائل مختلفة داخل المؤسسة الخمينية. وهذا، بدوره، يسمح للفصائل بالصراع على السلطة بطريقة سلمية وسياسية مصطنعة لا باللجوء إلى العنف.

في المراحل المبكرة من الخمينية، حاولت بعض الفصائل الفوز بالسلطة عن طريق حمل السلاح، مودية بحياة عشرات الآلاف. وبعد عام 1983، ظهر على السطح إجماع على فكرة ضرورة تحقيق توازن القوى بين الفصائل المختلفة عن طريق إجراء انتخابات على مرشحين مصدق عليهم بشكل مسبق. وساعد هذا في نزع فتيل العداءات بين الأحزاب، وفي وقت ما، قلل من قيمة العنف كوسيلة للاستحواذ على السلطة داخل النظام. لم يعد أي مرشح بحاجة لمشاهدة منافسيه من داخل النظام يتم اغتيالهم أو شنقهم.

والآن، قل عدد المنافسين من داخل النظام ممن يتم إعدامهم أو اغتيالهم. فهم إما مودعون في السجون أو رهن الإقامة الجبرية. وقد سمح للبعض منهم بالإقامة في الغرب.

إن هؤلاء الذين يزعمون أن بإمكانهم «إصلاح» هذا النظام غير القابل للإصلاح، يجب أن يقبلوا قواعده ويشاركوا في كل جوانبه، حتى وإن لم يكونوا راضين دائما عن النحو الذي تسير عليه الأمور.

لا يمكن لأحد إصلاح نظام يرغب في الإطاحة به، كما لا يمكن إصلاح نظام من خلال مقاطعته أو إظهار التبرم منه أو ممارسة التقية.

ربما من دون إدراك ذلك، يحلم «الإصلاحيون» بالتطهير. فعلى نحو ينافي المنطق، يأملون في إخماد النيران التي أشعلها الخميني ورفاقه الإرهابيون. وعلى الرغم من ذلك، فإنه كما في عقيدة الثالوث النصرانية، قد يختار بعض الناس التطهر.

وبدلا من ممارسة التقية، يجب أن يفكر «الإصلاحيون» مليا في التساؤل الوحيد الذي يشكل أهمية في السياسة الإيرانية اليوم: هل النظام الخميني قادر على الإصلاح؟ وإن لم يكن قادرا، ألا يتعين عليهم التحول إلى معسكر «تغيير النظام»؟

في الانتخابات الخمينية لا يمنح الشعب حق الاختيار نظرا لأن المرشحين المصدق عليهم من قبلُ هم فقط الذين يحق لهم خوضها