الفريق والفريق الآخر والرأي والرأي الآخر

TT

في يوم واحد مبارتان لا تحدثان، الا في بلاد العرب: واحدة في بور سعيد، وواحدة في «الاتجاه المعاكس». الثانية أشد فظاعة. في الاولى، رفضت مجموعة من الناس فكرة الخسارة في مباراة رياضية قائمة على الفوز والهزيمة. او التعادل. وفي الثانية، القائمة على «الرأي والرأي الآخر» قرر احد الرأيين ان يقوم من كرسي الحوار إلى الضرب المباشر، وهو يقول عن محاوره «ها الاخو...». (الحذف الرقابي من عندنا، وليس من البث).

لا ادري لماذا نصر على امرين لا نطيقهما: المباريات الرياضية والحوار السياسي. فكيف لعبس ان تقبل بهدر الكرامة والعزة في الملاعب، من دون مائة قتيل على الاقل؟ كيف يذهب مشجع الفريق الخاسر إلى منزله من دون ان يخنق مشجعا (على الاقل) للفريق الفائز؟ ما هي المسكنات التي يلجأ اليها الزميل فيصل القاسمي قبل ان يدير كل حلقة؟

انا اوهن واضعف من ان احتمل المشاهدة عن بعد، مسلما بحق الخيار وسرعة «الريموت». اما هو فقد ظل صامدا وهو يسمع احد ضيفي الحلقة يقول: «الامة العربية مثل صرمايتي». والقائل هو الباحث اللبناني جوزف ابو فاضل. ثم تكررت الصرماية، صرماية الباحث، في وجه السامعين.

نحن، في البلد الأبي، اعتدنا هذا المستوى وبالتحديد هذا التعبير. لكن الاحذية ترشق عادة على السامعين لا على الأمة برمتها. ومن «قناة الجزيرة من قطر». لكن يبدو ان على جميع البلدان العربية التعّود على الاصول الجديدة للحوار والرياضة: الاول بالضرب والثاني بالقتل.

لم يقصر الضيف الآخر، الدكتور محي الدين اللاذقاني، في استخدام التعابير السليطة وغير الجائزة. ولكن المشكلة انه عندما يكون الحوار اشبه بمصارعة حرة، لا يعود ممكنا ضبط الاتجاه ولا عكسه. ذهبت توسلات فيصل القاسم سدى للتوقف عن الشخصنة، وظل اللاذقاني يقول للباحث «سوف تدخل التاريخ من باب الخدم» والباحث يرد «سد بوزك ولاه. قللو يسكر تمو والا بقوم بضربو». وفي النهاية قام وضربه.

ليس المسؤول استديو «الاتجاه المعاكس». فلنتذكر اننا رحبنا، او على الاقل لم نستنكر، بأن تفجر الناس بعضها البعض. ولنتذكر اننا صفقنا للذين يعبرون عن انفسهم بالصرامي العتيقة. ولنتذكر اننا هللنا وصفقنا لهذه اللغة، تدخل بيوتنا ومجتمعاتنا ومؤسساتنا. وايانا الا نعرف، ان هذا الشحن يؤدي في النهاية إلى استسهال القتل الجماعي من اجل هزيمة كروية، فيتحول الملعب إلى مقتلة.

مستوى الحوار. مستوىالمنافسة الرياضية. مستوى الحكم. مستوى العلاقات الاجتماعية. مستوى الخلق العام. ومستوانا نحن، الذين نصفق.