هل ينجح نتنياهو في إبعاد عباس عن المفاوضات؟

TT

انتهت اللقاءات التي جرت في عمان بين مندوبي إسرائيل والسلطة الفلسطينية دون اتفاق على العودة إلى طاولة المفاوضات بين الطرفين. وقال محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية: إن إسرائيل هي التي أفشلت اللقاءات، من خلال رفضها تقديم تصورات بخصوص ما طلبته الرباعية الدولية بشأن الحدود والأمن. وأصر عباس – الذي دائما ما يلتزم بما يعتبره الثوابت - على رفض عودة الجانب الفلسطيني إلى المفاوضات قبل أن توقف إسرائيل بناء المستوطنات. وهكذا وضع محمود عباس مفتاح الطريق إلى الدولة الفلسطينية في يد بنيامين نتنياهو.

كان الرئيس الأميركي باراك أوباما قد أعلن في 19 مايو (أيار) 2010 عن ضرورة عودة مفاوضات السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل على أساس قيام دولة فلسطينية على حدود 1967. وبدأت مرحلة جديدة من المفاوضات بين الطرفين برعاية أميركية في الثاني من سبتمبر (أيلول) 2010. لكن الفلسطينيين لم يستمروا في المفاوضات طويلا، وقرروا الانسحاب بعد أقل من شهر واحد في 3 أكتوبر (تشرين الأول). وأعلن محمود عباس عدم عودة الجانب الفلسطيني إلى طاولة المفاوضات قبل أن تتوقف إسرائيل عن بناء المستوطنات في القدس الشرقية والضفة الغربية.

وعلى الرغم من التزام عباس بالثوابت الفلسطينية، فهو بتصرفه هذا قد أغلق بوابة الأمل الأخيرة لإقامة دولة لشعب فلسطين على جزء من أرضه بعد نحو 64 عاما من قيام دولة إسرائيل. وبالطبع لم يوقف نتنياهو بناء المستوطنات بعد توقف المفاوضات، بل سارعت حكومته في بناء 1850 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية والقدس الشرقية في عام 2011.

كان في استطاعة محمود عباس إحراج نتنياهو والاستمرار في المفاوضات على الرغم من بناء المستوطنات، حتى يتمكن الفلسطينيون من إقامة دولتهم ويتم الوصول إلى اتفاق شامل ورسم الحدود لكل من الدولتين. إلا أن محمود عباس ترك المفاوضات، وقرر تحدي باراك أوباما بالتوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) 2011، بطلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين على خطوط 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وقال عباس إن حصول الفلسطينيين على اعتراف الجمعية العامة بدولتهم سيضطر إسرائيل إلى الجلاء عن أراضيها ويضعها في موقف حرج بسبب المستوطنات التي يسكنها نحو 600 ألف إسرائيلي. لكن هذا المسار وصل إلى طريق مسدود؛ فعندما أدرك عباس أن أميركا قد تستخدم حق الفيتو لرفض الطلب الفلسطيني في مجلس الأمن، لم يطلب من المجلس التصويت على طلبه حتى الآن.

وفي محاولة منها لإحياء المفاوضات، دعت المملكة الأردنية الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى اللقاء في عمان، كي يقدم كل منهما تصوراته التي طلبتها الرباعية الدولية بخصوص الحدود والأمن، تمهيدا لعودتهما إلى طاولة المفاوضات التي توقفت منذ نحو عام ونصف العام. إلا أن لقاءات عمان توقفت في 25 يناير (كانون الثاني) الماضي بعد خمس جلسات، وأعلن محمود عباس مرة ثانية عن إصراره على عدم قبول التفاوض قبل أن يوقف نتنياهو بناء المستوطنات. وقال عباس: لا مانع لدينا من العودة للمفاوضات في حال اعتراف إسرائيل بحدود الدولة الفلسطينية. فبعد أن سلم صائب عريقات، رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية، إسحاق مولخو، رئيس المفاوضين الإسرائيليين، وثائق تتضمن رؤيته بشأن الحدود والأمن، قدم مولخو التصور الإسرائيلي بخصوص الدولة الفلسطينية. وتضمن المشروع الإسرائيلي إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، لا تتضمن القدس الشرقية التي تظل بقسميها عاصمة لإسرائيل. كما تقوم إسرائيل بتجميع مستوطنات الضفة الغربية خلف الجدار العازل، الذي يصبح عندئذ بمثابة الحدود الغربية التي تفصل هذه الدولة عن إسرائيل، وتحتفظ بوجودها الأمني في غور الأردن.

من الواضح أن التصور الإسرائيلي ليس فقط يتعارض مع التصور الفلسطيني، بل إنه يتعارض مع التصور الأميركي والروسي والأوروبي كذلك. ولم يكن نتنياهو يتوقع أن يقبل عباس هذا المشروع، لكنه توقع أن ينسحب عباس من المفاوضات ويفوز هو بالتزكية، فيؤخر قيام الدولة الفلسطينية حتى يتم بناء المزيد من المستوطنات. وبدلا من إدراك خطة الوقيعة التي يعدها له نتنياهو لترك حلبة المعركة، رفض عباس توسلات كاثرين أشتون – ممثلة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي - التي طالبته بضرورة العودة إلى المفاوضات. كما رفض الرسالة التي بعث بها الرئيس الأميركي، يطالبه بالاستمرار في المفاوضات ويتعهد بممارسة الضغط على الحكومة الإسرائيلية في النهاية.

في عهد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، كان الفلسطينيون المعارضون للمفاوضات يقومون بعمليات فدائية داخل إسرائيل قبل موعد أي لقاء تفاوضي، مما يؤدي إلى إلغاء الاجتماع ووقف التفاوض. أما الآن – وبعد أن أقامت إسرائيل الجدار العازل لمنع تسلل الفدائيين – فقد تغير الوضع وأصبح نتنياهو هو الذي يمنع التفاوض في كل مرة. ولأنه يعرف رد الفعل الفلسطيني مسبقا؛ فهو يقوم بالإعلان عن بناء مستوطنات جديدة قبل كل اجتماع للطرفين، فيرد محمود عباس بالانسحاب من المفاوضات ويعفي إسرائيل من مسؤولية التفاوض.

في كل مفاوضات تجرى في العالم، يقدم كل طرف ما يراه مناسبا لمصالحه، لكن القرار النهائي لا بد أن يأتي مختلفا بعد ذلك. ولما كانت جميع دول الرباعية قد التزمت مسبقا بضرورة قيام الدولة الفلسطينية على حدود 67 ولو بتغييرات طفيفة، فهي في النهاية لن توافق على تصورات نتنياهو المبالغة دائما. ولو وصل التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى نتيجة تخالف الإجماع الدولي، عندئذ سوف يصبح الفلسطينيون في موقف أقوى أمام الجميع ويكون في استطاعتهم الضغط على نتنياهو لقبول حدود 67.