«صدى الملاعب» بالإذن من «إم بي سي»

TT

أسوأ ما يمكن أن يقوله كاتب، هو تذكير الناس بما توقع. فلا هو بصار براج، ولا هو في عداد المنجمين. وأسوأ ما يشعر به الكاتب هو أن تصدق توقعاته السيئة حيث يتمنى أن يحدث العكس تماما. ولست في حاجة إلى أن أكرر مرة أخرى، ماذا تعني لي مصر، من عواطف ومشاعر، وذكريات ومسرات النيل، أو ماذا تعني لي كعربي، من أحلام وطموحات وتقدير ومخاوف ورعب. وكلما وقع حادث في مصر، يشعر الفرد أنها تبتعد، وأنني قد لا أعود إلى حديقة «عمر الخيام - الزمالك» وبهوه وسلمه العريض من يوم كان قصرا، ويحس المواطن بأنها تزداد بعدا، وأنني قد أنتظر وقتا طويلا قبل أن أتمكن من زيارة الرفاق والأصدقاء وحضور «حتة مسرحية قد الدنيا».

وضعت قبل فترة عنوان «حريق القاهرة» لإحدى الزوايا. وكنت أشبه ما يحدث من أمور غامضة بحريق القاهرة الذي سبق الثورة، وإلى الآن لا يعرف أحد على وجه الضبط من الذي بدأه. واليوم لا تزال الحرائق الغامضة تتنقل من مكان إلى مكان. وصحف الغرب الكبرى تضحك من القول إن ما حدث في بورسعيد هو فعل «مشاهدين» أو مشجعين. فالنوادي الرياضية في مصر، مثل أشياء كثيرة، تمتلك بعضها القوات المسلحة وقوى الأمن. وفي ظواهر الغموض الأخرى استمرار رجال الأمن في الخفر والاستحياء وعدم الظهور بينما تهاجم البنوك في عز الظهيرة.

في مثل هذه الأجواء تختلط الإشاعات بأنصاف الحقائق بالكثير من الدخان والنار. وهذه أردأ معالم عدم الاستقرار.. فمن يقول إن ثمة حلفا خفيا بين «الإخوان» والعسكر، ومن يقول إن ثمة تواطؤا، ومن لا يزال يقول إن غياب الأمن عن ملعب بورسعيد وحضور السلاح الأبيض، يدلان أن الصراع الخفي بين القوى الخفية ليس على أهداف ولا على فوز ولا على تعادل. وكان هناك من يقول منذ البداية، إن العسكر سوف يغذون الشعور بعدم الأمان، لكي لا يتنازلوا عن ميزاتهم ومواقعهم إلى أحد.

أما العسكر فيقولون إن جهات خارجية وداخلية خلف الحرائق المتنقلة. وما لست أفهمه في العالم العربي لماذا لا تسمى الجهات الخارجية أو المؤامرات الخارجية، كما في سوريا. وكيف يكون كل هذا العدد من الناس مؤتمرا بأوامر من عدو خارجي يريد تدمير البلد. إذا كانت أميركا، فأين المشكلة؟ اليافطات جاهزة ومكتوبة ولا ينقص سوى تعديل تاريخها. أما إذا كانت «الجهات الداخلية» هي المصرة على إحراق مصر، فالأمر لا يصدق بسهولة.. لأنه لا بد أن يكون لدى هذه الجهات سبب وجيه جدا يدفعها إلى إحراق البلد وإحراق الثورة.

أعتقد أنه من الأجدى للسلطات أن تقدم للناس متهمين، لا جهات لا أسماء لها.