رجال الحاكم

TT

من هم أخطر مجموعة يمكن أن يؤثروا على قرار الحاكم؟

ثقافتنا الإسلامية كانت تتحدث دائما عن ضرورة استعانة الحاكم بالبطانة الصالحة. وكان سيدنا عمر بن الخطاب، ثاني الخلفاء الراشدين، حريصا عند تولية الولاة على اتباع أسلوب الرقابة والمتابعة الدقيقة لمعرفة نوعية حاشية من يوليه على أي من أمصار الخلافة الإسلامية. وحرص سيدنا عمر على ألا تتحول الحلقة الضيقة القريبة من الحاكم إلى مركز قوة يؤدي إلى الحصول على منافع شخصية استثنائية أو استخدام قربهم الشديد من أذن الحاكم والوشاية أو الكيد أو الثأر من خصومهم أو دعم أنصارهم عن غير استحقاق. وظلت قضية الحاشية أو البطانة أو الحلقة الضيقة القريبة من الحاكم مسألة حياة أو موت في كل نظام سياسي قديم أو معاصر على مر تاريخ البشرية من رجل الكهف الأول حتى رجال البيت الأبيض الذين يحيطون بباراك أوباما.

والنظرة الفاحصة المتأملة لرجال الحاكم في عالمنا العربي سوف توضح لنا أن الحاشية من جنس الحاكم، والعكس صحيح، إن صلح صلحوا، وإن فسدوا فسد أو أخطأ القرار وغاب العدل وساءت المصالح الخاصة. يكفي أن نتأمل دورا واحدا تلعبه حاشية الحاكم، وهو تقديم وعرض «البريد والتقارير اليومية» عليه. فمن يقدم ومن يعرض على الحاكم العربي قادر على الحجب من ناحية، أو إعطاء الأولوية، ويملك أيضا حسن العرض أو التلخيص المخل، ويملك إعطاء معلومات سليمة ودقيقة عن صاحب الموضوع أو اغتيال شخصيته والانتقاص منه.

كم من كبار المسؤولين العرب فقدوا مناصبهم أو تم إبعادهم عن دائرة الترشح بناء على همسة مغرضة وكاذبة من أهواء بعض مساعدي الحاكم؟ كم من سياسي نفي إلى الخارج أو اعتقل لسنوات أو أضير في مصالحه المادية أو تم تشويه سمعته لمعلومة مدسوسة مليئة بسموم الأغراض الشخصية؟ وكم من أنصاف الموهوبين الفاسدين الذين يفتقرون إلى الخبرة والضمير، والذين تقلدوا مناصب عليا لا يستحقونها بأي حال من الأحوال بسبب تزكية حاشية الحاكم الذين قبضوا ثمن ذلك مقدما؟!

من أجل ذلك حرصت الديمقراطيات الراسخة على الآتي:

1) مأسسة فرق العمل القريب من الحاكم.

2) وضع هذه المؤسسات تحت الرقابة العامة ماليا وسياسيا.

3) خضوع فريق عمل الحاكم إلى إقرارات صارمة للذمة المالية والتأكد من عدم أي انتفاع مباشر أو غير مباشر لهم، جراء قربهم من دائرة الحكم أو مراكز صناعة القرار.

4) عدم بقاء تلك الدائرة القريبة من الحاكم لفترات طويلة وممتدة حتى لا يتحولوا إلى مراكز قوة استثنائية أو دوائر فساد وإفساد.

حينما يواجه بعض الحكام العرب أزمة ثقة من جماهير شعوبهم، فعلى كل منهم أن يقول لنفسه: «انظر حولك وتأمل مساعديك».