تجنب الوطء.. ولا تدخل الحمّام (!!)

TT

لا شك أنني أحب الطعام، وليس معنى ذلك أنني أكولاً، ولكن من الممكن أن تصفوني بالذواق، وقدوتي في ذلك المجال الحيوي هو أستاذي (عماد الدين أديب)، الذي يستطيع عن ظهر قلب أن يعدد مالا يقل عن ألف مطعم في مختلف أرجاء العالم دون أن يخطئ في واحد منها.

لهذا كثيراً ما فتئت أن أقرأ في المجلات صفحات الأسرة وما يتبعها من تحضير الأطباق، ولا تقع عيني على (شف) يحضر الأكل في برنامج تلفزيوني إلا وأتسمّر على القناة وأترك كل قنوات الأخبار بخيرها وشرها، وربيعها وشتاءها حتى لو قالوا لي أن هناك حرباً كونية على وشك الوقوع، لأشرت لهم بيدي أن أتركوني.

وهذه الهواية الصبيانية المرئية تلازمني أينما ذهبت، فعلى سبيل المثال فأول ما أصل إلى باريس أشتري رأساً من المطار مجلة (ميشلان) لكي أتحقق من تطورات المطاعم صعودها وهبوطها.

وقدر لي أن أقع على كتاب تراثي قديم ممتع مؤلفه لا يقل عن الأستاذ عماد في ثقافة الأكل، ألا وهو: (إسحاق بن عمران) طيب الله ثراه، ولا بأس أن أشرككم ببعض اجتهاداته، التي آليت على نفسي أن أطبقها بقدر ما أستطيع، وجاء فيها:

أعلم رحمك الله وأصلحك أن الصحة هي: خير من المال والأهل والولد، ولا شيء بعد تقوى الله سبحانه وتعالى خير من العافية، وما تأخذ به نفسك، وتحفظ به صحتك أن يلزم ما أكتب به إليك:

في شهر كانون الثاني تشرب شراباً شديداً كل غداة، وفي شهر شباط لا تأكل السّلق، وفي آذار لا تأكل الحلواء كلها، وفي نيسان لا تأكل شيئاً من الأصول التي تنبت في الأرض ولا الفجل، وفي أيار لا تأكل رأس شيء من الحيوان، وفي حزيران تشرب الماء البارد بعدما تطبخه وتبرّده على الريق، وفي تموز تجنّب الوطء، وفي آب لا تأكل الحيتان، وفي أيلول تشرب اللبن البقري، وعليك أيضاً بالفراريج، وفي تشرين الأول لا تأكل الكراث نيئاً ولا مطبوخاً، وفي تشرين الثاني لا تدخل الحمام، وفي كانون الأول لا تأكل الأرنب.

وأردف قائلاً: وكان فرقد يقول لأصحابه: إذا أكلتم فشُدُّوا الإزار على أوساطكم، وصغرّوا اللقم، وأكثروا من المضغ، ومصوا الماء وليأكل كل واحد ما بين يديه، ولا يحلّ أحدكم إزاره، فيتسع معه كرشه، فالبطنة تذهب الفطنة.

وضرب مثلاً: بأبو الأشهب عن أبي الحسن قال: قيل للمنذر بن جندب: أن ابنك آكل طعاماً كثيراً حتى كاد يقتله، قال: لو مات ما صليتُ عليه.

وقدم نصائح لأكلات موجبة وسالبة منها:

القسطل/ السلجم / لحم الخصيان من التيوس والكباش/ الجاروس الشلهبوط / الكبر الممزوج بالخل / النبيذ اللطيف إذا كانت له حده فهو يصفي اللون، أما النبيذ الحلو العفص فهو يولد نفخا / الانجدان / حب الآس/ ثمر العوسج الجاروس/ خبز الخشار / البقلة الحمقاء اليمانية، وفسرها قائلاً أنها تعني: الاسفاناخ التوتي / وأخيراً البقلاء الرطبة.

لم أفهم أكثر هذه الأكلات، ولكنني جربت ما عرفته منها، فأعطتني طاقة قصوى لم أستطيع النوم بعدها لعدة ليال.

[email protected]