هنري كسينجر وطبول الحرب

TT

يدق هنري كسينجر، المخطط الاستراتيجي الأميركي اليهودي، طبول الحرب. بحسب السيناريو الخاص به، نحن إزاء عالم جديد واستراتيجية جديدة وأميركا الجديدة. بحسب ذلك السيناريو، لن يكون هناك في المستقبل سوى قوة عظمى واحدة، وعلى باقي العالم أن يتقبل هذه الهيمنة والقيادة الأميركية. يبدو أن شخصية كسينجر تغيرت، حيث يستخدم أدبيات سياسية جديدة وهو يقترب من التسعين. هل استراتيجيته حلم رجل عجوز؟ إنه لا يستطيع تقبل هذا العالم الجديد والشرق الأوسط الجديد ومصر الجديدة. إنه لا يستطيع تقبل حقيقة الفشل الأميركي في العراق وأفغانستان وفلسطين. لقد تحول الحلم الإسرائيلي عن الشرق الأوسط إلى كابوس، بينما تواجه أميركا أسوأ أزمة اقتصادية في القرن الواحد والعشرين.

هل كسينجر يعتقد أنه لا سبيل للهيمنة الأميركية سوى بحرب عالمية؟ دعني أقتبس الجزء الأول من المقابلة التي أجراها:

«تعمل الولايات المتحدة على الحد من قوة الصين وروسيا، وستكون إيران آخر مسمار في النعش؛ فهي بالطبع الهدف الأساسي لإسرائيل. لقد سمحنا للصين بزيادة قوتها العسكرية ولروسيا بالتعافي من انهيار الاتحاد السوفياتي لنمنحهما شعورًا زائفًا بالشجاعة، وهذا سيعجل بانهيارهما. نحن مثل شخص يجيد التصويب ويشجع المبتدئين على الإمساك بالسلاح وعندما يحاولون القيام بذلك، يحدث الانفجار. ستكون الحرب القادمة قاسية، لذا لن تستطيع الفوز بها سوى قوة عظمى واحدة فقط؛ تلك القوة العظمى هي نحن. لهذا يهرع الاتحاد الأوروبي نحو إقامة دولة عظمى مترابطة لأنهم يعرفون الآتي، وعلى أوروبا أن تكون دولة واحدة متماسكة حتى تتمكن من الصمود والبقاء. هذه الحاجة الطارئة تخبرني بأنهم يعرفون تمامًا أن المواجهة الحاسمة ستكون من جانبنا. كم حلمت بتلك اللحظة الرائعة».

بعد ما حدث عقب الاحتلال الأميركي للعراق وأفغانستان، والأزمة الكبرى في باكستان والربيع العربي، يتحدث كسينجر عن حرب عالمية جديدة ربما تكون أكبر من الحربين الأولى والثانية، ربما لأن إسرائيل وأميركا في حلمه في معسكر واحد، بينما باقي العالم في المعسكر الآخر.

سوف يتم احتلال سبع دول إسلامية، وستحتل إسرائيل نصف الشرق الأوسط، لكن لم يذكر كسينجر أي نصف يقصد ومن أي جانب.

«لقد أخبرنا الجيش أننا مضطرون لتولي زمام الأمور في سبع دول في الشرق الأوسط لما فيها من موارد ولأنهم قد أتموا مهمتهم بالفعل. تعلمون جميعًا رأيي في الجيش، لكن علي أن أقول إنهم اتبعوا أوامر في غير محلها هذه المرة. لم يبق إلا خطوة واحدة، أي أن إيران سوف تحدث تغييرًا بالفعل. إلى متى سوف تقف الصين وروسيا دون أن تحرك ساكنًا، بينما أميركا تنظف الفوضى؟ سينهض كل من الدب الروسي القوي والمنجل الصيني من غفوتهما عندما سيكون على إسرائيل القتال بكل ما أوتيت من قوة وسلاح لقتل أكبر عدد ممكن من العرب. إذا سارت الأمور كما ينبغي، سيكون نصف الشرق الأوسط لإسرائيل. لقد تلقى شبابنا تدريبًا جيدًا في القتال خلال العقد الماضي».

يمكننا أن نلحظ تغيرًا كبيرًا في آراء كسينجر، فضلا عن الكلمات والمصطلحات التي يستخدمها. منذ أربعين عامًا أوقعه رأيه في الشخصيات العسكرية في مشاكل، حيث كان يقول إن العسكريين حمقى وحيوانات غبية تُستغل لتحقيق أغراض السياسة الخارجية. لقد جاء قوله هذا في «الأيام الأخيرة»، لبوب وودوارد وكارل بيرنستاين اللذين قالا إن هذا حدث في مكتب ألكسندر هيغ، رئيس طاقم العاملين في البيت الأبيض الذي كان معينًا حديثًا عام 1973. إذا صح ذلك فهو يطرح سؤال: لماذا يحلم هذه الأيام بقيادة الجيش الأميركي والأسلحة الأميركية للعالم؟ عندما نشر هنري كسينجر كتابه «هل أميركا بحاجة إلى سياسة خارجية؟» قيل إن الكتاب موجه على الأرجح لقارئ واحد هو الرئيس الأميركي جورج بوش الابن. لم يكن من قبيل المصادفة أن يشبهه النقاد بكتاب «الأمير» لنيكولو مكيافيللي. أشار توماس فريدمان إلى أن كتاب مكيافيللي يبدو لا شيء مقارنة بأجزاء من هذا الكتاب. مع ذلك يبدو أن كسينجر يعزف نغمة خطيرة للغاية ويدق طبول حرب عالمية حامية الوطيس. من الأسئلة الهامة التي تفرض نفسها في هذا السياق: ما السبب وراء توقع كسينجر لهذا؟ كيف لكسينجر أن يبرر حلمه؟ هل نسي العواقب غير المقصودة للاحتلال الأميركي للعراق وأفغانستان؟ هل يتجاهل تأثير الحروب على لبنان وغزة؟

دعني أكون صادقًا، أعتقد أن طبول حرب كسينجر بمثابة هدية مميزة لكل الجماعات المتطرفة، ومنها تنظيم القاعدة في الشرق الأوسط، وحتى في مختلف أنحاء العالم. يتحدث كسينجر، بوصفه المخطط الاستراتيجي الجديد للحركة الاستعمارية الجديدة، بجهل عن حرب عالمية جديدة. هل يحتاج كل منا في هذا العالم الغريب إلى بندقية؟ إنها وحشية جديدة. أين الديمقراطية الأميركية؟ أين أسلوب الحياة الأميركي؟ أين الحلم الأميركي؟ من المؤسف أن يتحدث رجل عجوز يقترب من عامه التسعين عن فوضى مروعة محتملة وينظر إليها باعتبارها الحلم الأسمى؟

«قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعا» (الكهف 103 - 104).

لماذا لا يرى كسينجر انعكاس صورة الولايات المتحدة في الكثير من المرايا في العراق وأفغانستان وباكستان ومصر وتونس واليمن وحتى سوريا وإيران؟