كان رمزيا السرد البعثي العقيم والبيزنطي لمندوب نظام بشار الأسد لدى الأمم المتحدة، وهو في حالة إنكار تام لما يحدث في بلاده من مذابح ومآس وقتل مدمر، كان يستشهد تارة بالشاعر الدمشقي الراحل نزار قباني الذي رحل عن معشوقته دمشق ولم يعد إليها إلا ليدفن، وهو الذي أقسم ألا يعود طالما كان النظام القمعي باقيا.
واستشهد تارة أخرى بالأديب والفيلسوف الألماني العريق غوته، وكال التهم ذات اليمين وذات اليسار للعرب وللجامعة العربية وللأتراك ولدول الخليج العربي وللغرب ولأميركا وأوروبا، ولم ينج من لسانه إلا الفراعنة والمغول والتتار والهكسوس!
كان الجعفري، مندوب الأسد لدى الأمم المتحدة، يلقي محاضرة في ندوة بعثية وليس خطابا يستمع إليه العالم وسط مجزرة تحدث في ثالث كبرى مدن بلاده حمص، راح ضحيتها أكثر من 350 قتيلا، وتأتي هذه المجزرة في الذكرى الثلاثين لأم المذابح التي ارتكبها النظام على عهد الرئيس السابق حافظ الأسد وراح ضحيتها 45 ألف قتيل. طار النظام من الفرحة بتصويت كل من الصين وروسيا اعتراضا بحق «الفيتو» على قرار مجلس الأمن بإدانة نظام الأسد بجرائم إبادة شعبه.
كل العالم بات يقف موقفا موحدا ضد جرائم هذا النظام الدموي ولم يبق في صفه إلا الصين وروسيا وإيران والعراق يدعمونه ويدعمون قتله لشعبه ويعطونه الأعذار والمبررات ويدافعون عنها بشكل سخيف وغير أخلاقي، ويبدو ذلك في تصريحات وزير الخارجية الروسي الذي رفض اعتبار أن ما يحدث سببه نظام قمعي بامتياز يمارس هذا الدور ابنا عن أب بالوراثة وبشكل ممنهج ومستمر.
أما الخطبة التي ألقاها الزعيم الديني الإيراني علي خامنئي، فقال فيها: إن الفتنة في سوريا سيحسمها النظام ويخمدها، وكل هذه التعليقات لا يمكن قراءتها إلا بشكلها الحقيقي. فروسيا لا تدعم بشار الأسد والنظام في سوريا لأنه مقاوم أو ديمقراطي أو يرعى حقوق الإنسان، بل لأنه بنظامه هو موضع القدم الوحيد الباقي لها في منطقة الشرق الأوسط بعد أن فقدت جميع المد الجغرافي لها من العراق واليمن وليبيا والجزائر ومصر، وبات الآن موقف الروس هو الدفاع عن بشار الأسد ونظامه، «عندا» و«مكابرة» وليس لأجل مبادئ أو أصول.
وروسيا تعتبر سوريا ونظامها امتدادا طبيعيا لإيران، وهي بالتالي تقيس ذلك باعتبارات اقتصادية وتحسب «حجم» التبادل والاستثمار والمصلحة الروسية التي لها في البلدين من مفاعلات نووية وأسلحة وطائرات ومشاريع كبرى، إضافة إلى التجارة التقليدية وموقع القدم المتمثل في قاعدة بحرية عسكرية على ضفاف البحر المتوسط بالساحل السوري.
وكذلك الأمر بالنسبة للصين، فهي ترغب في زيادة وجودها في السوق السورية ليكون مجاملة لوجودها المتنامي بالسوق الإيرانية، وطبعا كلتا الدولتين قمعيتان بامتياز وسجلهما مثير للجدل في حقوق الإنسان ولا ترغبان في فتح سابقة بتغيير الحكم عن طريق الأمم المتحدة حتى لا يكون ذلك سابقة تنفتح بعدها الأبواب على حلفاء الدولتين مثل كوريا الشمالية وبورما وأوكرانيا وتركمانستان، وهي دول قمعية سجلها معروف في مجالات الحقوق السياسية والحقوق الإنسانية.
ولكن المهم جدا هنا هو أن سوريا بهذا التصويت المعيب المشين دخلت التاريخ بنظامها القمعي الذي يتساوى في ذلك الأمر مع إسرائيل، إذ إنهما الدولتان اللتان حصلتا على «فيتو» من مصوتين لهما يعطيهما الحق في استمرار القمع والقتل، ولكن ما حدث بالنسبة للنظام السوري، وبات واضحا، أنه في نظر العالم، الأغلبية الحرة الصادقة من هذا العالم، مجرما بحق شعبه قاتلا بامتياز له، وهذا لا يمكن إلا أن يكون معناه الواضح الصريح أننا نشهد مشاهد الوداع الأخير لنظام دموي لم يرحم ولا يترحم عليه، وسيكون عدد الفرحين برحيله بالملايين حول العالم.
وكان لافتا أن تكون تونس الحرة أولى زهرات الياسمين في «الربيع العربي» تعلن أنها ستطرد السفير السوري من أراضيها وتنهي اعترافها بالنظام السوري، وتعترف بالمجلس الوطني كممثل وحيد وأصيل للشعب السوري، وهي خطوة يجب أن تكون فورا من جميع الدول حول العالم، ولكنهم لا يمكن أن يطالبوا بأن يكونوا عربا أكثر من العرب أنفسهم. سوريا الحرة عدوها الحقيقي نظامها.. ساعدوها للخلاص منه فهي مهمة أخلاقية. كم فضح وكشف «الفيتو» هذا النظام!