بعد مجزرة حمص.. «الإخوان» والهلال الشيعي

TT

من المفترض أن تكون مجزرة حمص بفظائعها وأهوالها وألوف الشهداء نقطة نهائية لتمايز المواقف من إيران وحلفائها في المنطقة، وهذا لا ينحصر في موقف الحكومات بل حتى الحركات المؤثرة، مثل حركة الإخوان المسلمين التي لا تزال أسئلة حائرة تثار حول مواقفها من إيران وخططها في منطقتنا. صارت مواقف «الإخوان» الضبابية واللغة الدبلوماسية مع جرائم نظام بشار الدموي التي اتسمت بها لغتهم نوعا من الخذلان لضحايا الشعب السوري المكلوم. إن تطورات الأحداث في سوريا وتورط الحرس الثوري في هذه الأحداث تتطلب من «الإخوان» موقفا حديا واضحا من إيران الداعم الوحيد في العالم الإسلامي كله لنظام سوريا وجرائمه المروعة.

نحن هنا لا نفترض في جماعة الإخوان المسلمين في مصر ولا غيرها من الدول والجماعات أن تفتعل خصومة مع إيران ودول الهلال الشيعي، فقط لأنهم شيعة، وإلا لكنا طائفيين، وإنما لأن إيران تتبنى استراتيجيتها السياسية وعلاقاتها الدولية بنفس طائفي صارخ طال أذاه وتداعياته عددا من الدول العربية، ولم يفضح هذه الاستراتيجية الطائفية إلا ثورات «الربيع العربي» حين أيدت الثورات في مصر وتونس وليبيا، ثم أحجمت عن تأييد ثورة الشعب السوري ضد أشرس الديكتاتوريات العربية على الإطلاق، وهنا مثال يدل على أن شيعية الدولة ليست أبدا سببا في الخصومة.. أذربيجان دولة شيعية مسالمة، لكن لأنها منكفئة على نفسها وليس لديها خطط تبشيرية ولا استراتيجيات لمد نفوذها نالت من التقدير والاحترام ما تستحقه.

ومما يحتم على «الإخوان» اتخاذ موقف حدي واضح من إيران وهلالها الشيعي أنها امتطت دعوى دعم المقاومة ضد إسرائيل لدعم التبشير للمذهب الشيعي في دول مسلموها سنة 100 في المائة مثل مصر والمغرب وتونس، بل طال تبشيرها دول العالم السني بلا استثناء، ومع أنه من حق كل طائفة أن تبشر لمذهبها وقت تشاء وفي أي مكان تريد، إلا أن الاعتراض على إيران بالذات لأنها صكت آذاننا بالوحدة الإسلامية وفي الوقت نفسه هي التي نثرت بذور الفرقة في عدد من دول العالم الإسلامي من خلال التبشير الشيعي في محاولة دنيئة لنقض نسيجها العقائدي المتناغم، وهذا ما يتطلب من «الإخوان» في مصر بالذات أن يكونوا، بحكم انتمائهم الإسلامي، الأكثر حرصا على صيانة الإرث العقدي، وهذا بالضبط ما قاله لي شخصيا الشيخ راشد الغنوشي حين تسللت رموزهم التبشيرية إلى عمق المجتمع التونسي مستغلة علاقتهم الوثيقة به، بل إنها طالت حتى بعض المنتمين إلى حركة النهضة، فقال لهم الشيخ راشد ما معناه: «دونكم، فأنتم تتجاوزون خطوطنا العقائدية الحمراء، وإننا مهما حرصنا على الوحدة الإسلامية فلا يمكن أن يكون على حساب الإرث التاريخي العقدي الذي وصل إلينا من علمائنا ومشايخنا سليما نقيا»، والمؤسف أن موقف «الإخوان» من هذا التبشير كان في أحسن أحواله باهتا مستترا، فلم تكن لهم مواقف صريحة كالتي أعلنها الشيخ يوسف القرضاوي وأيده فيها الشيخ راشد الغنوشي وسببت لهما صداعا من إيران وأبواقها المتطرفة.

فظائع وجرائم النظام السوري التي ارتكبها ضد شعبه، وكذلك مواقف إيران الدنيئة من هذه الجرائم وآخرها ولوغ الحرس الإيراني في الدم السوري، فرصة للإخوان المسلمين لتغيير استراتيجية علاقاتهم بإيران، وتمتين علاقاتهم مع الدول العربية امتدادهم الطبيعي، وفي المقابل على الدول العربية المحورية المؤثرة، وعلى رأسها السعودية، أن تقطع الطريق على إيران حتى لا ينخر سوسها في الحكومات العربية الجديدة.

[email protected]