حذار من بطل السجون والمعتقلات

TT

اعتدنا أثناء الحملات الانتخابية أن نرى ملصقات في الشوارع والميادين تحمل صورة رجل وسيم ومهيب وتحتها هذه الكلمات: «انتخبوا بطل السجون والمعتقلات». ثم تقرأ موجزا عن حياته ومؤهلاته وكيف قضى خمس سنوات في سجن وادي الذبان، وعشر سنوات في زنزانة انفرادية، وثلاث سنوات في معتقل الهليكة.. تقرأ ذلك وتقول هذا رجل كرس حياته للعمل الوطني وسأعطيه صوتي. فالوطنية شيء نادر عندنا وليس واجبا اعتياديا من واجبات المواطنة. وعليه؛ فلا بد من مكافأة عليها. إنه مثل البوسطجي نعطيه عيدية في العيد. أكثر من ذلك، هو أيضا يعتقد أن ما أداه من تضحيات يستحق المكافأة في انتخابه ثم تعيينه وزيرا للتجارة والصناعة.

لا أحد منا يلتفت إلى أن هذا الرجل لم يتعلم أي شيء عن الحياة العملية. ففي هذه السجون كانت الدولة تعطيه لباسه وطعامه ثلاث وجبات في اليوم.. وكله مجانا لا أحد يقدم له فاتورة عنها.. ولا هو يسأل عن كلفتها أو يعرف سعر ما فيها من أرز ولحم ولا من أين جاءوا به، وكم دفع المقاول من رشوة لمأمور السجن. يخرج بطل السجون والمعتقلات دون أن يتعلم كيف يطبخون «التمن» أو يسلقون البيض، ولا أي شيء عن سعره أو توريده للصين أو الهند أو ما تعرض له من هزات اقتصادية وشحة موسمية وعرض وطلب.

يخرج من السجن كما يخرج الراهب من صومعته وقد عاش على الصدقات وعطايا الكنيسة. نعتقد أن علينا مكافأته لأنه وطني ومن قادة الثورة.. فنسلمه وزارة التجارة والصناعة ونأمل خيرا من ورائه. يجلس على كرسي الوزارة ويبدأ بطرد من نسميهم بالمسلكيين وبقايا العهد البائد وكل من «لا يتجاوب مع الثورة»، من رجال لم يذهبوا للسجون والمعتقلات وإنما ذهبوا للمدرسة والجامعة ودرسوا العلوم والتكنولوجيا والاقتصاد والسياسة والقانون. اشتغلوا محامين ومعلمين ومأموري جمارك وتدرجوا في المهنة وتولوا مسؤوليات. تزوجوا نساء صالحات، معلمات روضة. أنجبوا أولادا سهروا على تربيتهم وتعليمهم. ولكنهم «لم يتجاوبوا مع الثورة» فعوقبوا بالطرد والبطالة والاحتقار.

وبعد أن يفرغ بطل السجون والمعتقلات من طرد سائر الموظفين الأكفاء والمؤهلين، يبدأ بالاقتراض من الحكومات والبنوك الأجنبية ليقوم بتنفيذ المشاريع وتشغيل العاطلين في شتى المشاريع الخيالية. يصفق الجمهور له وينشد المطربون الأغاني الاحتفالية والبطولية. زميله الآخر من أبطال السجون والمعتقلات، يتولى وزارة الاقتصاد والإحصاء.. يصدر شتى الجداول والإحصائيات الكاذبة عن إنتاجية هذه المشاريع ورفاهية العمال. تمر الأعوام ويحل أجل تسديد القروض. فلا يجد بطل السجون والمعتقلات في رصيد الوزارة حتى ما يدفع به أجور العمال. يحاول الحصول على قروض أخرى فتغلق البنوك أبوابها في وجهه. يدرك أن أيامه أصبحت معدودة. يسرق ما تبقى في الخزانة ويهرب للخارج، يسب الإمبريالية والرجعية التي تآمرت على بلده.