قراءة أولية في نتائج الانتخابات الكويتية

TT

قفز الإعلام بتنوعاته المختلفة بمجرد ظهور نتائج الانتخابات الكويتية ليقول في سطر واحد «المعارضة الكويتية تكتسح المجلس، والإسلاميون في القيادة» بل إن بعضه قال إن نتائج الانتخابات هي «الربيع الكويتي» وهي قراءة في تقديري متسرعة ومبتسرة، وقد قيل كثيرا إن الشيطان في التفاصيل، وذاك ينطبق على النتائج، أي إن التفاصيل مختلفة كثيرا عن الانطباع الأول.

أخيرا وصل قطار الدورة الانتخابية في الكويت إلى محطته النهائية - إعلان النتائج - وتبين على وجه اليقين شكل المجلس رقم 14 في تاريخ الكويت، وهو شكل يشبه مجتمع الكويت التعددي، ولكن أيضا المنقسم عموديا وأفقيا دون معالجة اجتماعية حقيقية، ولم يكن كاتب هذه السطور بعيدا عن التحليل العلمي المنضبط عندما توقع في مقال السبت قبل الماضي الذي نشر هنا قبل أربعة أيام من إجراء الانتخابات، أن نتائج الانتخابات سوف تتأثر بانتخابات مصر وتونس قبلها، فلقد تقدم عدد الإسلاميين في مجلس الأمة الكويتي الرابع عشر، إلا أن هذا التقدم ليس بمسطرة واحدة، فهناك الإخوان (حدس) وهناك السلف المنقسم على نفسه مرتين، سياسيا واجتهاديا، وهناك الإسلام ذو النكهة الشيعية، كل الأطراف فيها أشخاص من المتشددين والوسطيين والموالين بشكل والمعارضين بشكل، وليس هناك موقف سياسي «دائم وثابت» بينهم، فمن التسرع القول إن «الإسلاميين يكتسحون المجلس» فذلك تعجل غير مبرر أو «المعارضة».

رد فعل المواطنين على الخلطة التي أنتجتها الانتخابات مختلف، بينه المُتفاجئ وبينه المُتوقع، إلا أن الآراء توزعت بشدة بين مرحب بحذر ومتشائم دون حذر. وكما توقع الكاتب أيضا تراجعت نسبة النساء؛ فقد قلت بالحرف في المقال المشار إليه: «في المجلس السابق أربع سيدات، وإن حصلنا من نتائج الانتخابات بعد أربعة أيام على مقعدين للسيدات فذلك قد يكون إنجازا، لا أتوقع أكثر من ذلك، أعرف أني أغامر بهذا الرأي، ولكنها قراءتي لما شاهدت وسمعت، المزاج اليوم مختلف. تأثير الصوت النسائي مهم.. فهن نظريا 50 في المائة تقريبا من الكتلة التصويتية، ولكن هذا لا يعني أن تصب أصواتهن لبنات جنسهن»! وبالفعل هذا ما حدث. كما قلت أيضا في ذلك المقال «التغيير في الأشخاص ربما يصل إلى 50 في المائة وهي نسبة تاريخية بعضها بسبب انتقاد الناس لسلوكيات سياسية سالبة لبعض النواب السابقين، وبعضها (أي النسبة تلك) بسبب عزوف بعض النواب السابقين عن الترشح كون العملية كلها عبثية من وجهة نظرهم»! وهذا أيضا ما أثبتته النتائج النهائية، لقد تغير المجلس بالضبط 52 في المائة. لم أكن أقرأ في مقال السبت قبل الماضي في بلورة سحرية، كنت فقط أترجم الواقع الذي تحقق الكثير منه.

إلا أن التحليل لا يقف عند ذلك، فبعد قراءة الأرقام الناتجة من العملية الانتخابية، تبين أن الدوائر الخمس المكون منها الشارع الانتخابي الكويتي، يعتورها خلل واضح، يتبين في توزيع الأصوات، فالدوائر الخمس من المفروض أن تفرز 10 نواب عن كل دائرة (عدد أعضاء المجلس النيابي 50 عضوا) ولكن بين الأول في كل دائرة من الخمس والأخير (العاشر) تباين في عدد الأصوات يصل في معظمه إلى 50 في المائة وفي بعضه إلى 70 في المائة وهذا يعني - إن قرأنا التفاوت في حجم الكتلة الانتخابية - أن هناك خللا بينا واضحا، كما أن الأصوات التي حصل عليها الأخير (في بعض المناطق الخمس الانتخابية) توازي أو تفوق بعض المتقدمين في المناطق الأخرى، يعني ذلك ببساطة أن ميكانيكية العملية الانتخابية التي قررها قانون الانتخاب فيها عوار «ديمقراطي» بيِّن!

تقاعس الكويتيون عن الذهاب إلى صناديق الانتخاب يوم الخميس الماضي، فيما كان الإقبال على الانتخابات في السابق في الغالب يصل إلى ما فوق الـ80 في المائة، وصلت نسبة المقترعين في المتوسط إلى نحو 62 في المائة وهذا يعني أن مائة ألف من الكويتيين والكويتيات الذين يحق لهم ولهن الانتخاب لم يأبهوا بأن يحضروا، مع العلم أن يوم الانتخاب كان يوما مشمسا ومنعشا في شتاء دافئ. ربما بعضهم بسبب تدني ما قيل من كلام وأعمال في الحملة الانتخابية، وخاصة ما تم من حشود على بعض وسائل الإعلام وعلى بعض مخيمات المرشحين، أي إن هناك نحو مائة ألف من الناخبين لم يحضروا لسبب أو لآخر، أكثرهم في الغالب من جراء حالة الإحباط التي صاحبت الحملة الانتخابية والممارسات السابقة في مجالس برلمانية، كلها حلت بسبب تفاقم الأزمة بينها وبين السلطة التنفيذية في السنوات الخمس الماضية مما جعل روح الإحباط تسري في قطاع واسع من الناخبين فيلزمون بيوتهم.

اليوم المجلس النيابي الرابع عشر الذي انتخب الخميس الماضي يخلو من النساء، ومن المتوقع أن يوازن رئيس الوزراء المقبل بتعيين أكثر من سيدة في الوزارة لتلافي النقص في المكون الأكبر في المجتمع الكويتي (النساء)، قلت من المتوقع، ولكن ليس من الجزم في شيء، فقد يبقى المجلس النيابي الكويتي الرابع عشر بلا نساء ونحن ندخل العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين! ربما هذا أيضا مريح لبعض الأعضاء الذين يميلون إلى ما يسمى بـ«الإسلام السياسي» حيث وصل منهم إلى المجلس عدد أكثر نسبيا مما كان في المجلس السابق!

المتوقع من تركيبة المجلس الرابع عشر أن تشتد المعارضة ويقابلها اشتداد المولاة إلى درجة قد تدخل البلاد في أزمة تلو أزمة. يرى بعض المحللين السياسيين أن المجلس الرابع عشر (قد يكون مجلسا انتقاليا) بمعنى أن يكون عمره قصيرا، وربما يصدق هذا الرأي وربما لا يصدق، إلا أنه متداول لدى النخبة.

يمكن النظر لنتائج الانتخابات الكويتية الخميس الماضي من منظورين؛ الأول أن المجتمع قد انقسم أفقيا وعموديا بين مكوناته الأولى (ما قبل الدولة) ويمكن القول إن هذه هي التعددية الشعبية في ضوء عدم وجود تعددية سياسية حديثة (أحزاب أو منابر سياسية مقننة) قائمة على قاعدة المجتمع المدني والدولة المدنية، فيقوم الناس بخلق تعدديتهم وهي لا تخرج عن القبيلة والطائفة وربما الأسرة الممتدة! هناك عوار قانوني في الهيكلية السياسية في الكويت حتى الآن لم يناقشه كثيرون المناقشة التي يستحقها، وهو أولا تكوين (منابر / أحزاب سياسية) بعد خمسين عاما من التجربة، وثانيا إصدار قانون انتخابي متكامل، يضبط سقفا للمال السياسي المصروف في الحملات الانتخابية.

هذان العواران القانونيان لم يتوجه إليهما أحد بالبحث، فالنائب ينتخب على أساس شخصي وبالتالي ليس له أجندة عامة يستطيع أن يحققها. التآلف في داخل المجلس مرحلي ومؤقت وموسمي، يتم على حسب القضايا المطروحة، لا على برامج. من هنا فإن الاصطدام بين أعضاء السلطة التنفيذية والتشريعية دائم الحدوث ومتكرر، وواقع تحت ضغط شعبوي غير منظم، لذا فإن متوسط بقاء الوزير في الكويت لا يتعدى السنة والنصف في المتوسط، وهي فترة قصيرة تخلف خللا كبيرا في أي محاولة لتوجه تنموي حقيقي.

المهم ليس ما مضى، المهم القادم من الأيام في مسيرة العمل السياسي الكويتي، يرى البعض أن تركيبة المجلس - في بعضها - كانت نتيجة الازدراء الاجتماعي المتبادل الذي أجج خطاب الكراهية لدى البعض، وأوصل ثلة من المتشددين في طرفي الصراع الاجتماعي إلى البرلمان، مما سوف يضيع أصوات الأقلية في الوسط، وهي قلة مدركة لما سوف يجره هذا الاستقطاب من صدام.

ليس أمام المجتمع السياسي الكويتي إلا مساران؛ الأول إصلاح شامل وجذري في العملية السياسية فيه ترتيب جديد وحديث للتعددية القانونية، وإصلاح في قانون الانتخاب، أو المسار الثاني البقاء في دائرة الاستقطاب القاتل الذي يولد أكثر وأكثر توترا اجتماعيا ينخر المجتمع ويضعف كيان الدولة.

آخر الكلام:

لجأ الكويتيون إلى النكتة لمداواة بعض جروح الانتخابات، فتصاعدت خفة الدم، وعرض بعضهم الدينار الكويتي على «تويتر» وفي وسطه صورة لأحد زعماء المعارضة! أما الصورة الأكثر انتشارا فهي صورة السيدات الأربع معا وهن فرحات - طبعا في الانتخاب السابق - ولكنهن الآن يقلن وداعا!