المنافسة بين سوريا ومصر!

TT

في أحداث الربيع العربي كان هناك تسلسل في تركيز الاهتمام والجهد الإعلامي، فهي كانت مثل متوالية أفاق العالم فيها وهو يفتح نصف عين على ما يحدث في تونس وهو غير مصدق حتى الأيام الأخيرة للثورة هناك، وخروج بن علي لينتقل المشهد إلى ميدان التحرير ومصر، التي كانت ثورة 25 يناير (كانون الثاني) فيها صوتا وصورة على الهواء مباشرة، وتركيز شديد بسبب الحجم الاستراتيجي للبلد. وينتقل المشهد تباعا بعد ذلك إلى ليبيا عبر شهور طويلة من صراع تحول إلى مسلح بين الثوار والنظام السابق حتى مشهد النهاية، وكان وقتها الإعلام موزعا بين تطورات سوريا واليمن.

وكانت هناك فرصة طويلة أمام النظام في سوريا لإيجاد مخرج للأزمة مع شعبه، فقد كان هضم كل هذه التطورات في المنطقة دفعة واحدة صعبا على المعدة الدبلوماسية والسياسية الدولية والإقليمية. وحصل النظام هناك على فرصة تلو أخرى، لكنه فضل الحل الأمني على إيجاد حل سياسي، مما أدى إلى تأجيج الثورة وتصاعد مطالبها أسبوعا بعد أسبوع بما قطع خط الرجعة ووضع العالم في وضع لا يمكن أن يقف فيه ساكنا أو مكتوف الأيدي، فالقتل المتصاعد لم يهن عزيمة المحتجين في سوريا الذين كسروا حاجز الخوف.

احتلت الثورة السورية صدارة المشهد وحدها خاصة بعد سقوط القذافي في ليبيا، ثم الاتفاق الذي تكلل بالنجاح بنقل السلطة في اليمن، وأصبح التركيز الإعلامي والدبلوماسي على المشهد السوري، ولم يقطع ذلك سوى انفجارات المشهد الفوضوي الحالي في مصر مع تداعياته الدامية التي تبدو في أحيان كثيرة غير مفهومة، وسبب حدوثها بهذا الشكل، ليتشتت الانتباه لحظيا عما يحدث في سوريا ثم يعود إليها مجددا.

لكن شتان الفارق بين الحالتين، فالأزمة السورية دخلت عمليا مرحلة التدويل والاستقطاب الدولي بعد الفيتو الذي استخدمته روسيا والصين ضد مشروع القرار الذي كانت تجري مناقشته في مجلس الأمن على الرغم من أنه جرى تخفيفه حتى لا ينص على عقوبات أو حظر صادرات سلاح أو نص صريح على تسليم السلطة. والآن بدأت مرحلة سحب السفراء المتوقع أن تتسارع مع مخاوف من أن يكون الحل هناك على غرار ما حدث في ليبيا، أي بالسلاح.

الحالة السورية واضحة فهي انتفاضة شعبية أخذت طابعا سلميا لشهور طويلة للمطالبة بالحرية والعدالة تجاه نظام لا يزال يحكم بأساليب ستالينية عفا عليها الزمن، وخسر حلفاء وأصدقاء الأمس الذين لم يمكنهم الظهور بمظهر الذي يقف مع استخدام الدبابات والمدفعية والشبيحة ضد متظاهرين سلميين.

ولا يوجد أحد لديه يقين مما سيحدث إذا تغير النظام، ولعل ذلك كان سبب التردد الدولي والإقليمي الطويل في التعامل مع النظام هناك والفرص الكثيرة التي حصل عليها على أمل أن يقوم بالمبادرة بالإصلاح. لكن استمرار وتيرة العنف والقتل لم يترك مجالا لأحد، فحتى الروس والصينيون لن يستطيعوا الوقوف طويلا ضد أي قرار دولي بحق النظام إذا استمرت وتيرة القتل بهذا الشكل، ولو استمر الشلل بهذا الشكل لفترة أخرى فإن السيناريو الذي تعكسه تصريحات غربية كثيرة تشير إلى إمكانية دعم المعارضة بالتسليح والتمويل لتتحول إلى حرب حقيقية.

أما الحالة المصرية التي تصر على المنافسة في التغطيات الإخبارية فهي مختلفة وإن كانت تثير قلقا شديدا بحكم الموقع والوزن الاستراتيجي، حتى لو كان الشعور بهذا الوزن غائبا حاليا. القلق مرده إلى الحالة الفوضوية التي تحولت إلى ما يشبه خناقة كبيرة، الكل فيها يمسك بخناق الآخر، من دون استعداد لتسويات سياسية لعبور المرحلة الانتقالية بأقل الخسائر. والنتيجة ما نراه، فالدبابات تقصف حمص وتقتل مائة في يوم بينما مباراة كرة في بورسعيد يذهب ضحيتها في أقل من ساعة 70 ضحية بلا سبب مباشر مقنع، خاصة أن صاحب الأرض هو المنتصر، ثم نشهد 5 أيام من الكر والفر أمام مقر وزارة الداخلية مع قتلى ومصابين، ولا نعرف كيف سيحل ذلك المشكلة، فحتى لو كانت هناك مؤامرة أو تقصير فهل الحل هو شفاء الغليل بالانتقام والثأر.

المشهد الآن في سوريا هو الذي يتصدر الاهتمام العالمي والإقليمي وهي حالة مفترق طرق بين ثورة سلمية قد تتحول تدريجيا إلى مسلحة مع كل تداعيات ذلك، إلا إذا حدث تحول من داخل النظام يسهل انتقال السلطة.

أما مصر فقد تجنبت هذا، نتيجة وقوف المؤسسة العسكرية مع مطالب الثورة، وإن كانت مرحلتها الانتقالية التي تقترب من عملية انتخاب الرئيس بعد الانتهاء من أول برلمان منتخب شعبيا تمر بتقلبات فوضوية، يصاحبها دم ليس له داع، وصدامات بين أفكار وأحلام أجيال جديدة اصطدمت برؤى تقليدية، والمؤمل أن يتعلم الجميع تطوير الممارسة السياسة، ويتقبلون أنه لا يوجد مجتمع يتقدم إلا باتفاق مكوناته على صيغة مشتركة.