الصين.. من متفرج إلى لاعب

TT

انضمام الصين إلى روسيا، مؤخرا، في استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لإحباط مشروع قرار يتبنى دعوة الجامعة العربية لتنحي الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة.. يستدعي قراءة متأنية للتحول المستجد على نظرة بكين لا إلى سوريا بل إلى دورها على الساحة الدولية.

السؤال البديهي الذي يطرح نفسه على خلفية هذا الموقف هو: لماذا تلجأ الصين ثلاث مرات إلى حق «الفيتو» لدعم النظام السوري، وهي المعروفة بـ«اقتصادها» في استعماله؟ فمنذ أن احتلت مقعد الصين الوطنية (تايوان) في مجلس الأمن عام 1971، لم تستعمل بكين حق «الفيتو» سوى 13 مرة في 41 سنة.. وفجأة، وفي مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، مارست هذه الصلاحية ثلاث مرات متتالية دفاعا عن النظام السوري - في الظاهر على الأقل.

لو شاءت الصين «مداراة» الجامعة العربية لاكتفت - كما فعلت سابقا حيال القرار الخاص بالأزمة الليبية - بالامتناع عن التصويت، خصوصا أنها كانت تعلم سلفا أن روسيا سوف تتولى مهمة «نقض» مشروع القرار العربي - الغربي، ولا حاجة بالتالي، إلى عملية «نقض مزدوج» للقرار. ولكن الصين اختارت أن تدلي بدلوها في عملية «النقض» رغم ما استتبعه هذا الموقف من توتير إضافي في علاقاتها مع الولايات المتحدة.

صحيفة «الشعب»، الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الصيني الحاكم، بررت موقف بكين بأنه ناشئ عن قناعتها بأن التدخل الغربي في ليبيا وأفغانستان والعراق «أثبت خطأ تغيير الأنظمة بالقوة».

ولكن، بالنظر إلى الأهمية الثانوية التي تحتلها سوريا في دبلوماسية الصين الخارجية، هل يكفي ارتياب بكين من أن يتحول مجلس الأمن إلى «قناة دولية» لتشريع التدخل الغربي في «صراعات داخلية» لتفسير موقفها في مجلس الأمن.. أم أن الصين دخلت، عبر «فيتو» مجلس الأمن، مرحلة التأكيد على رغبتها في لعب دور دولي فعال ينقلها من مقعد المتفرج إلى ساحة المشاركة في هذه اللعبة؟

مع بداية التسعينات من القرن الماضي وتحول الصين التدريجي إلى دولة صناعية إثر تجاوزها سنوات ماو تسي تونغ العجاف، والحافز الرئيسي وراء اهتمامها بمنطقة الشرق الأوسط كان، ولا يزال، حاجتها إلى تأمين مصادر دائمة للطاقة تضمن استمرارية توسعها الاقتصادي الطموح (وليس سرا أن الصين أصبحت اليوم ثالث أكبر مستورد للنفط في العالم). في هذا السياق، لا تشكل سوريا «أولوية» لدبلوماسية الصين في الشرق الأوسط بالنظر إلى ضآلة إنتاجها النفطي. وأحدث أرقام منشورة لحجم التبادل التجاري بين البلدين تشير إلى أنه بلغ 223.190.000 دولار أميركي، استأثرت صادرات الصين إلى سوريا بحصة 223.180.000 دولار منه، بينما لم تتجاوز قيمة الصادرات السورية إلى الصين الـ10.000 دولار (مما أثار انتقاد بعض الأوساط الاقتصادية في دمشق لغزو سلع «صنع في الصين» السوق السورية إلى حد منافستها الإنتاج المحلي).

أولوية التوجه التجاري على غيره في تعامل بكين مع دمشق - باستثناء صفقة صواريخ في الثمانينات تراجعت بكين عنها بضغط أميركي - توحي بأن استعمالها لحق «الفيتو»، ولثلاث مرات متتالية، لا يعني تمسك الصين بنظام بشار الأسد بقدر ما يعني تجاوز تطلعاتها في الشرق الأوسط أولوياتها السابقة، أي تأمين احتياجاتها من الطاقة، إلى دبلوماسية «الحضور السياسي» في المنطقة كلاعب دولي يملك، عند الحاجة، القدرة الكافية على ترجيح كفة على أخرى. وإذا كان الطرف الأول المعني بـ«عرض عضلات الصين» في مجلس الأمن هو دول الخليج العربية المنتجة للطاقة (عشية تصاعد التهديدات بإغلاق مضيق هرمز)، فإن تضامن الصين مع روسيا في مجلس الأمن يوحي أيضا باستعدادها للعودة إلى «استقطابات» عصر الحرب الباردة في مواجهة أميركا.. رغم أن روسيا لعبت، حتى إبان العهد السوفياتي، دور «الشريك المضارب» لنفوذها على الساحة الدولية، والساحة الشرق أوسطية تحديدا.