أرجوك أرشدني!

TT

أكاد أجزم بأن مشكلة المشاكل في عالمنا العربي تكمن في اختياراتنا الخاطئة لتخصصاتنا الدراسية التي تدفعنا لاختيار وظائف لا نحبها، وذلك إما جهلا وإما تسرعا منا، ثم نكتشف حقيقة ذلك بعد فوات الأوان!

مؤسسة «وزنات» الاستشارية اللبنانية جاءت بحل لهذه المعضلة، من خلال تقديم خدمة استشارية إرشادية لنحو 55 مدرسة، مما جعلها أول مؤسسة تقوم بهذا الدور الإرشادي في لبنان. فهي باختصار، كما نشرت «الشرق الأوسط»، تزود التلميذ بمعلومات حول المهن والاختصاصات، وتسلط له الضوء على 130 مهنة واختصاصا جامعيا من خلال كتيب سمته «خارطة الطريق من أجل المستقبل». ويخضع التلاميذ لاختبار أولي من 250 سؤالا يساعد المسؤولين على أخذ فكرة واضحة عن شخصية الطالب واهتماماته والطريق المهني الذي يتوقع أن يبرع فيه لو أنه سلكه.

وهذا النوع من الإرشاد أمر متبع في دول متقدمة كثيرة، ونحتاج من مدارسنا الخاصة والعامة في العالم العربي أن تطبقه وبأقصى سرعة ممكنة. إذ يتخرج سنويا في بلداننا مئات الآلاف ممن لا يدركون ما هو التخصص المناسب لهم. بل تبرز المشكلة حينما يتقدم الفرد لوظيفة فيكتشف لاحقا أنها لا تناسبه، ثم تجده يجر خطاه جرا إلى مقر عمله أو يبدأ بالتملص من مسؤولياته بحجج واهية ولا يصارح نفسه بأنه في المكان الخطأ.

والمشكلة الأكبر تبدأ حينما يقدم أحد الوالدين على خطيئة دفع أبنائه إلى تخصص محدد يحبه هو ولا يحبه أبناؤه فيرتكب خطأ جسيما قد يضيع مستقبل أسرة بأكملها. ولا يعلم الوالدان أن ابنهما حينما يحب مجالا فيعمل فيه فإنه يبدع ويتألق، بل وتصعب منافسته، الأمر الذي ينعكس إيجابا على مستقبله المادي والمعنوي.

والإرشاد عموما مسألة مهمة في الحياة، فحتى أعلى شهادة في العالم وهي الدكتوراه لا تنالها إلا بمرافقة مرشد أكاديمي. ولذا تجد أن المرشد موجود في جميع المراحل الجامعية وكأنه بوصلة ترشدنا إلى الطريق الصحيح.

وحتى كبار الزعماء في العالم، لا تخلو بطانتهم من المرشدين القانونيين والاقتصاديين والأمنيين والعسكريين، لأن الإنسان بطبيعته ليس كاملا، الأمر الذي يجعله محتاجا دوما إلى من يرشده ويوجهه.

ولذا فإنني أستغرب لماذا يتمعر وجه بعض المسؤولين حينما يرشده البعض شفاهة أو كتابة إلى الوجهة الصحيحة رغم أنها نصيحة مجانية بحتة. الرئيس الأميركي أوباما نفسه الذي ألهب قلوب الجماهير وتضج القاعة دوما بالتصفيق لكلماته، تبين لاحقا أن شخصا عشرينيا هو الذي يكتب له خطاباته، ويرشده كيف ينبغي له أن يخاطب الجمهور!

الإرشاد أمر مطلوب تعزيزه في مدارسنا وأعمالنا ومنازلنا حتى نتألق وتقل أخطاؤنا. ولكن لا فائدة من إرشاد لا يجد آذانا صاغية.

[email protected]