تعريف اليقظة

TT

أعلنت فرنسا «دولة لبنان الكبير» عام 1920، بينما كان عدد سكانها 42 مليون نسمة، أي ما يوازي عدد سكان العالم العربي برمته. الآن نحن متساوون في العدد مع أوروبا، شرقا وغربا، 350 مليون نسمة هنا، والعدد نفسه هناك. لكن هذا، للأسف، لا يعني شيئا. صحيح أن أوروبا في أعمق أزماتها منذ الحرب: جوع في اليونان، فقر في إيطاليا، ومرسيليا، ثالث مدن فرنسا وأجملها، تسيطر عصابات المخدرات على مناطق كاملة تماما كما في المكسيك التي تكاد تهوي تحت مجازر تلك العصابات المرعبة.

اليورو، رمز الوحدة الأوروبية مهدد. الأطلسي، رمز الوحدة العسكرية والتحالف مع أميركا، ضعيف. النمو، رمز حياء الأمم، مجمد. هل يعني كل ذلك أننا نكاد نسابق الاستعمار القديم؟ لا. عدد السكان لا يعني شيئا إذا كانت نسبة الأمية تصل أحيانا إلى ما فوق الخمسين في المائة. أعلى نسبة بطالة في أوروبا، وفقا لجدول «الإيكونوميست» الأسبوعي هي 20 في المائة، وهذه أدنى نسبة بطالة في العالم العربي.

في أوروبا الحرية ليست قضية. الضمان الاجتماعي ليس مسألة. النزاعات الأهلية نادرة. الجامعات الكونية الكبرى لم تتأثر، إلا كما حدث لجامعة لندن الاقتصادية (LSC) التي خسرت مستواها والكثير من سمعتها ومرتبتها، عندما ارتخت أمام تبرعات سيف الإسلام القذافي وأطروحته حول نشر الديمقراطية والعدالة في العالم الثالث، ربما برعاية الأب القائد وفكره ونظريته.

بعض الأجانب لا يزال يسمي ما حدث عندنا الربيع العربي. والبعض يقول إنه شتاء في الربيع. والبعض يقول إنها اليقظة في الأمة المجاورة. وهو مصطلح استخدمه الشيخ ناصيف اليازجي في القرن التاسع عشر ونقله إلى الإنجليزية جورج أنطونيوس في مرجعه الشهير «يقظة العرب». وقد قال مارتن كرامر إن الكتاب كان «أفضل مرجع للمؤرخين الأميركيين والبريطانيين طوال أجيال».

لن نتجاوز «الأمة المجاورة» إلا عندما نبلغ مستويات مجتمعاتها في العلم والاقتصاد. دائما نتحدث عن انهيار الإمبراطورية العثمانية وتقاسمها، ودائما نتجاهل أن السبب كان افتقارها وغرقها في الديون وإرهاق شعوبها بالسرقات والضرائب. إذا لم يكن لكل 50 مليون عربي جامعة مثل أكسفورد، ولكل 30 مليونا جامعة مثل مدرسة الإدارة الفرنسية، ولكل عشرة ملايين مدرسة حربية مثل ساندهيرست، فإن 350 مليونا لا يمكن أن يساووا إطلاقا 350 مليونا.

علامات الشيخوخة واضحة على أوروبا، لكن علامات اليقظة لم تبن بعد على العالم العربي. فاليقظة لا تعني إطلاقا الميادين والشوارع وسكاكين الملاعب (مؤامرة خارجية وفلول). اليقظة حين نقر أن الذي يرتكب هو نحن، والذي يستخدم خطاب الجاهلية هو نحن، والذي لا يعرف أن ماسة ناقصة خير من حصاة براقة، هو أيضا نحن.