الأطباء.. هل هم قدوة للمرضى؟

TT

تحت عنوان «الطبيب السمين قد يكون ضارا بصحتك»، عرضت بعض الوسائل الإعلامية الأميركية، دراسة الباحثين الأميركيين من «كلية جون هوبكنز بلومبيرغ للصحة العامة» حول تأثيرات سمنة الطبيب على توجيهه نصيحة لمرضاه بالاهتمام بوزن الجسم.

ووفق ما تم نشره في عدد يناير (كانون الثاني) من «مجلة السمنة» journal Obesity، قام الباحثون من «جون هوبكنز» بإجراء استبيان شمل 500 طبيب متخصص في الرعاية الأولية. وتبين لهم من النتائج أن 50% من هؤلاء الأطباء الأميركيين فقط كان وزنهم طبيعيا، والبقية لديهم سمنة أو زيادة وزن! كما تبين منها أن 35% فقط من الأطباء ذوي الوزن الطبيعي و18% فقط من الأطباء السمينين، قد تحدثوا بالفعل إلى مرضاهم عن ضرورة التخلص من السمنة! وأن 50% من الأطباء ذوي الوزن الطبيعي و38% من الأطباء السمينين لديهم المعرفة والقدرة على التحدث إلى مرضاهم عن الحمية وممارسة الرياضة البدنية. واعترف 80% من الأطباء ذوي الوزن الطبيعي، وفقط 76% من الأطباء السمينين أن المرضى لا يثقون بنصائح الطبيب السمين حينما يتحدث عن السمنة وأضرارها وضرورة التخلص منها.

وفي المقابل، وتحت عنوان «الأطباء يجب أن يكونوا قدوة»، عرضت الصحف البريطانية التقرير الصادر في 10 يناير (كانون الثاني) الماضي عن إحدى لجان الخبراء التابعين لـ«الخدمات الصحية القومية» NHS في بريطانيا حول ضرورة اهتمام الأطباء والممرضين بسمنتهم قبل إعطاء محاضرات للمرضى عن هذا الأمر.

وقال الخبراء البريطانيون في تقريرهم: «إذا ما أردنا أن تكون جهود الأطباء فاعلة في تحسين مستوى صحة الناس، فإن على الخدمات القومية الصحية أن تعيد ترتيب بيتها الداخلي قبل أن تعطي محاضرات للمرضى حول مخاطر السمنة أو التدخين. ولقد سمعنا من المرضى ومن عموم الناس أن من الصعب عليهم تقبل النصائح الطبية المتعلقة بالسمنة أو التدخين، وذلك حينما لا يلتزم بها التابعون للخدمات الصحية القومية».

وحتى اليوم، لم تستطع الأوساط الطبية تحديد إجابة واضحة عن السؤال المعروض كعنوان للمقال. والسبب أن ثمة تبعات كثيرة وكبيرة وأسئلة متسلسلة لا تنتهي على أي نوع من الإجابة عن هذا السؤال. ومثلا، لو كانت الإجابة «نعم» الطبيب يجب أن يكون قدوة للمرضى، يأتي السؤال التالي مباشرة: هل هي قدوة حصرية في اتباع السلوكيات الصحية في الحياة اليومية أم في السلوكيات الأخلاقية؟ وإذا سلمنا جدلا أن على الأطباء أن يكونوا فقط قدوة في السلوكيات الصحية، فهل كل الأطباء يعلمون ما السلوكيات الصحية وفق ما هو ثابت علميا لدى المراجع الطبية؟ بمعنى: هل مطلوب من طبيب الأنف والأذن والحنجرة أو طبيب النساء والتوليد أن يعلم ما أنواع الزيوت النباتية الصحية والأخرى الضارة، وهل عليه أن يعلم ما الأطعمة المحتوية على الكولسترول والأخرى الخالية منه؟ وما الأطعمة التي تفيد في خفض نسبة كولسترول الدم أو خفض ضغط الدم؟ وهل عليه أن يعلم ما مقدار الجهد البدني المنصوح بممارسته يوميا وفق أحدث إصدارات رابطة القلب الأميركية، مثلا؟

رب قائل يقول: نعم هم قدوة ولكن ليس بالضرورة في هذه الأمور «الدقيقة» بل في أمور صحية أخرى «أكبر وضوحا» مثل السمنة أو التدخين أو غيرهما. والسؤال التلقائي الذي يأتي: منْ قال إن ضرر التدخين يفوق ضرر تناول الزيوت النباتية المهدرجة المحتوية على الدهون المتحولة trans fatty acids؟ ومنْ قال إن ضرر السمنة يفوق ضرر ارتفاع الكولسترول أو ارتفاع ضغط الدم؟ وإذا كان على الطبيب أن يكون قدوة في هذه الأمور «الأكثر وضوحا» دون تلك الأمور الموصوفة بأنها «دقيقة»، فكيف يكون تصرف الوسط الطبي حينما يخالفها الطبيب؟ بمعنى هل تقارن سمنة أو تدخين الطبيب بالسلوكيات الأخلاقية المتعلقة بالأمانة والعفة وسلامة الذمة المالية وإدمان المخدرات، أم إن السمنة والتدخين شأن شخصي خاص بالطبيب واختياراته السلوكية التي لا تتعارض مع حقوق الغير وواجباته نحوهم؟

وسبب هذا السؤال المهم هو: هل على الوسط الطبي محاسبة الطبيب على سمنته كمحاسبته له على إخلاله بأساسيات الأخلاق العامة؟ وإن كانت المحاسبة أخف وأهون، فما مقدار ونوعية المحاسبة.. هل تكون تنبيها للطبيب بأن عليه أن يخفف وزنه أسوة ببعض المهن والوظائف التي تتطلب مظهرا متميزا، أم تحذيرا للطبيب من التمادي في الاستمرار بالتدخين؟

والأصل أن الطب مرتبط بموضوع النصائح والإرشادات الطبية والصحية التي تصدرها المراجع العلمية في الأوساط الطبية. والمقصود منها في الأصل وبالحصر: إفهام عموم الناس كيفية المحافظة على صحتهم وكيفية تعاملهم مع أمراضهم. وإذا كانت الأوساط الطبية تريد توسيع دائرة هذه المسؤولية، فعليها تحمل تبعات ذلك، أي يتعين على جميع العاملين في الوسط الطبي أن يلتزموا بـ«كل» تلك النصائح والإرشادات، وعلى الأوساط الطبية أن تضع آلية لمحاسبة عدم التزام العاملين في الوسط الطبي بكل ذلك.

الموضوع لا يزال دون إجابات واضحة من الأوساط الطبية المعنية بوضع «واجبات ومسؤوليات الطبيب».

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]