«هل شققت عن قلبه؟»

TT

نعيش هذه الأيام في أسوأ مراحل العقل السياسي العربي، الذي يفتقر إلى أبجديات وأصول آداب الاختلاف في الرأي وقبول الآخر المختلف عنا في الرؤية أو الآيديولوجية أو الديانة أو الجنسية أو الطبقة أو المذهب.

عقول النخبة تفتقر إلى التسامح السياسي وتقوم بالتفتيش في النوايا والقلوب والضمائر بهدف تحقير أصحاب الأفكار المعاكسة إلى حد الاغتيال المعنوي لأشخاصهم بشكل يؤدي إلى ازدرائهم.

لذلك كله شعرت بسعادة غامرة حينما اطلعت على وثيقة الأزهر الشريف التي صاغها وأعدها مفكرون مسلمون ومسيحيون حول الحريات الأساسية للإنسان.

وأنصح كل مهتم بحقوق المواطن وحقوق الإنسان أن يطلع عليها؛ لأن فيها إجابات شافية ومطمئنة حول مخاوف أي استبداد سياسي أو ديني يؤدي إلى تقليص حقوقنا في الحريات الأساسية.

جاء في هذه الوثيقة: «تعتبر حرية العقيدة وما يرتبط بها من حق المواطنة الكاملة للجميع، القائم على المساواة التامة في الحقوق والواجبات، حجر الزاوية في البناء المجتمعي الحديث، وهي مكفولة بثوابت النصوص الدينية القطعية وصريح الأصول الدستورية والقانونية؛ إذ يقول المولى عز وجل: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)».

وتضيف الوثيقة: «ويترتب على ذلك تجريم أي مظهر في الإكراه في الدين، والاضطهاد أو التمييز بسببه، فكل فرد في المجتمع يعتنق من الأفكار ما شاء دون أن يمس حق المجتمع في الحفاظ على العقائد السماوية».

وتقول الوثيقة في موضع آخر: «ويترتب على حق حرية الاعتقاد، التسليم بمشروعية التعدد ورعاية حق الاختلاف ووجوب مراعاة كل مواطن مشاعر الآخرين والمساواة بينهم».

ولعلنا هنا نتذكر قول الإمام مالك: «إذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مائة وجه ويحتمل الإيمان من وجه واحد حُمل على الإيمان ولا يجوز حمله على الكفر».

وقبل هذا وذاك نتذكر قول سيد الخلق، عليه أفضل الصلاة والسلام: «هل شققت عن قلبه؟».