ديمقراطية بوتيمكين الروسية

TT

لم أدر هل كان المفروض أن أضحك أم أبكي عندما سمعت أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد وجد حلا للأزمة السورية، حيث كان لافروف قد تحدث في دمشق يوم الثلاثاء الماضي، معلنا أن كل شيء على ما يرام، لأن الرئيس السوري بشار الأسد كان «ملتزما التزاما تاما بتنفيذ وقف العنف، بغض النظر عن المكان الذي قد يأتي منه هذا العنف». وقد دعمت وزارة الخارجية الروسية هذا البيان، من خلال قيامها بالدعوة إلى «العمل على استقرار الوضع في سوريا بأقصى سرعة ممكنة، من خلال تنفيذ الإصلاحات الديمقراطية، التي حان وقت القيام بها، بأقصى سرعة ممكنة».

ولكن الوقت الذي كان ينبغي فيه القيام بـ«الإصلاحات الديمقراطية» في سوريا، حيث لم يُظهر جيش الأسد أي علامة تدل على «وقف العنف بغض النظر عن المكان الذي قد يأتي منه»، قد فات منذ أمد بعيد، في الواقع. بل إن درجة الوحشية، على العكس من ذلك، قد زادت خلال الساعات التي قضاها لافروف في دمشق. بيد أنه حتى لو اعتبرنا أن سوريا هي سويسرا العربية، وأنها على استعداد تام لإجراء «استفتاء دستوري»، كما يشير لافروف، سيكون من الصعب الاستماع إلى تعليقات وزير الخارجية الروسي من دون أن نتمكن من عدم الضحك. وعلى الرغم من أنه ليس من السهل، في هذه اللحظة، أن نقول كيف تختار روسيا بالضبط قادتها السياسيين، فإنه من المؤكد أن هذه العملية لا تنطوي على أخذ أصوات جمهور الناخبين، أو على الأقل عدم أخذ أصوات عدد كبير منهم. ومن المؤكد أن «التنفيذ السريع للإصلاحات الديمقراطية» هي فكرة قد حان وقتها، ليس في دمشق وحلب فقط، بل في موسكو وسان بطرسبرغ أيضا.

ومع ذلك، فإن من الأمور اللافتة للنظر، والجديرة بالذكر، أنه حتى الحكومة الروسية نفسها قد باتت تشعر الآن بأنها ملزمة باستخدام هذه اللغة نفسها في الخطاب. ولا بد لي من أن أفترض أن لافروف لا يهمه تطبيق الديمقراطية في سوريا بأي شكل من الأشكال، فهو قد ذهب إلى هناك لأن سوريا تشتري الكثير من الأسلحة من روسيا، ولأن روسيا قد أصابها الفزع بعد سقوط معمر القذافي، ولأن الاضطرابات في سوريا قد تكون لها عواقب سيئة بالنسبة للمصالح الروسية الأخرى في المنطقة.

وفي ما مضى، كان مبعوث الاتحاد السوفياتي يستخدم، عند قيامه بزيارة أحد الرؤساء المحاصرين في دولة عميلة مماثلة، كلمات مثل «تضامن الرفقة» بدلا من «الديمقراطية»، وكان سيجلب معه بعض المستشارين العسكريين البارزين لجعل الصورة واضحة للجميع.

ولكن في هذه الأيام، فإن مثل هذه التصرفات لم تعد مقبولة، حيث إنه لم يعد أمرا طيبا لهيبة المرء على المستوى الدولي أن ينظر إليه باعتباره زعيما لدكتاتورية بغيضة. كما أصبح نقل أموال المرء حول العالم، أو تعليم أبنائه في المدارس الداخلية السويسرية، أمرا يزداد صعوبة ببطء مع مرور الوقت.

والنقطة الأكثر دلالة، هي أنه حتى الأنظمة الاستبدادية أصبحت تشعر بالقلق حول شكل علاقاتها الحميمة بغيرها من الأنظمة الاستبدادية الأخرى في عيون مواطنيها. ويمثل لافروف نظاما يخشى بالتأكيد من السخط الشعبي، وإن لم يكن معرضا للخطر في هذه اللحظة، ومن الخطب الرنانة لمكافحة الفساد، ومن المظاهرات السياسية من النوع الذي خلق الثورة البرتقالية في أوكرانيا، أو الربيع العربي في شمال أفريقيا، بطبيعة الحال. وبالتالي، تشعر روسيا بالحاجة إلى المحافظة على مظاهر الشرعية.

ولم يقم الرئيس الروسي، ديمتري ميدفيديف، خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بالسفر إلى جميع أنحاء البلاد، ولم يقابل أنصاره. وقد غطت وسائل الإعلام الروسية الحدث، بحيث كان ميدفيديف محور كل ما تم من تغطيات تلفزيونية تقريبا، بينما لم يتم القيام إلا بتغطية قليلة لمعارضيه، أو لم يتم القيام بأي تغطية لهم على الإطلاق. ومع ذلك، تم تشجيع الناس على التصويت، وكانت جميع الزخارف الرقيقة للديمقراطية موجودة، حتى ولو لم يكن هناك أي شك حول من الذي سيفوز.

وينطبق الشيء نفسه على الدبلوماسية الروسية، حيث من الواضح أن لافروف ورؤساءه لا يريدون أن يعتقد الشعب الروسي أنهم يدعمون نظاما يقوم بإطلاق النار على المتظاهرين - على الرغم من أنه يفعل ذلك بالفعل - خاصة في الأسبوع الماضي، عندما احتشد المتظاهرون في شوارع موسكو رافعين لافتات تدعو إلى «انتخابات نزيهة». فهذا يجعلهم يبدون غير ديمقراطيين إلى حد كبير. ولذا، يتوجب على وزارة الخارجية الروسية أن تدعي أنها تقاتل من أجل الديمقراطية السورية، على الرغم من قيام الجيش السوري بشن حرب شاملة، في الوقت نفسه، ضد الشعب السوري.

وأنا في حيرة بين أمرين إزاء هذا «التظاهر بتعزيز الديمقراطية»، الذي يعد نتاجا طبيعيا للتظاهر الروسي بالديمقراطية؛ فمن ناحية، يؤدي هذا التظاهر إلى ترخيص لغة الخطاب، حيث إنه إذا كان المعنى الحقيقي لعبارة «إننا ندعم الديمقراطية السورية» هو «أننا ندعم الدكتاتورية السورية»، فإننا نكون بذلك نعيش في عالم، شبيه بالعالم الذي يصفه الكاتب الروائي، جورج أورويل، في روايته «1984»، لم يعد أي شيء فيه يعني أي شيء على الإطلاق بعد الآن.

من ناحية أخرى، فالناس ليسوا أغبياء، حيث يعرف السوريون والروس على حد سواء الفرق بين «الديمقراطية» و«الدساتير» و«الاستفتاءات» من جهة، والعنف العاري، من جهة أخرى. وكلما استخدمت الحكومة الروسية المزيد من هذه الكلمات، بات الأمر أكثر وضوحا، بالنسبة للشعبين، السوري والروسي، بأن هذه الكلمات لا معنى لها في هذا السياق. وربما يقرر بعضهم في نهاية المطاف أنهم يريدون الشيء الحقيقي بدلا من ذلك.

* خدمة «واشنطن بوست»