لا بدل عن هذا الضائع

TT

تشكل المسألة السورية في تدهورها المريع والمتزايد، أهم درس سياسي حديث في أهمية الوقت. أو فلنقل في علم الوقت، لأنه من أعظم العلوم. في المرتبة الأولى، تعامل الرئيس بشار الأسد مع الوقت وكأنه دائرة حكومية. بدلا من أن يقول للمطالبين بالحرية والإصلاح «اليوم لا غدا» قال «سرعة لا تسرع». هكذا فقد أنجع علاج لديه: الوقت.

نظرت الجامعة العربية إلى الوضع في سوريا فرأت أنه أزمة قابلة للحل، وهي كانت كذلك فعلا، لكن بدلا من استخدام القوة الدبلوماسية والإصرار على جدول زمني، اختارت عدم إزعاج الخواطر. ثم أرسلت مراقبين بلا صلاحيات، يتقدمهم رجل يتحدث بالسرعة الإملائية عن دماء تهدر في سرعة الموت. وفي النهاية فقدت الجامعة الوقت.

ونظرت الأمم المتحدة إلى الوضع السوري فاعتقدت أنه مجرد ملف آخر يستطيع الانتظار. وبدلا من أن تبحث عن قرار سريع دخلت في المماحكات المألوفة. ولم تقترع الهند وجنوب أفريقيا إلى جانب القرار إلا بعد نهاية الوقت. وبعد فوات الأوان تذكرت روسيا أن لها دولة صديقة هي آخر القلاع الرمزية في الشرق الأوسط، وأن عليها مساعدتها في البحث عن حل يخرجها من الأزمة.

وبدلا من أن يسعى بوتين من اللحظة الأولى إلى إطلاع النظام السوري على مخاطر التلكؤ، ترك الأوضاع تتدهور حتى لم يعد هناك حل سوى الفيتو. والفيتو كان مشكلة للجميع وليس حلا. لقد أخاف موسكو نجاح الإسلاميين في تونس ومصر. وهدتها خسارة ليبيا وتجارة حجمها نحو 4 مليارات دولار. وخيل إليها أن الوجود الرمزي في ميناء (وليس قاعدة) طرطوس سوف يكون آخر معالم الوجود الروسي في المنطقة، منذ أن طرد أنور السادات الخبراء السوفيات من مصر عام 1973.

لقد كانت سياسة السوفيات، ثم الروس، عبارة عن خيبات في العالم العربي. وظلت روسيا دولة «غريبة»، بينما اندفع الأوروبيون يحصدون العقود النفطية وسواها. ومثل السوفيات الشيوعيين، لم يعثر الروس الرأسماليون على محاور عربي، سياسي أو ثقافي أو اقتصادي. لذلك أفزعتهم فكرة أن يخسروا سوريا أيضا، البلد العربي الوحيد الذي لا يزال رئيسه يتذكر القيام بزيارة إلى موسكو تحاط بالأضواء وتملأ بالخطب.

لم تتعلم سوريا ولا روسيا من تجربة العراق. وهي أن العناد عدو مدمر للحلول الدبلوماسية. ولم تر سوريا ولا روسيا أننا في عصر أصبح فيه الوقت هو الحل، وليس القوة. واعتمدت سوريا وروسيا على القوة السلبية في مواجهة الخصوم، بدلا من اختيار دائرة الحلول. وتصرفت كلتاهما على أساس أن الدم ضريبة طبيعية في الصراعات، ولم تدركا أن إزهاق الدماء لم يعد أمرا مقبولا في عصر الصورة المباشرة والأنين المسموع.

كم هي كبيرة هذه المأساة. فرقاء كثيرون في النزاع (والحل) السوري، يملكون قوى كثيرة، ويفتقدون إلى الحل الوحيد: الوقت المناسب. أو عدم فوات الأوان.