لماذا استخدمت روسيا والصين حق النقض ضد قرار الأمم المتحدة؟

TT

استخدمت كل من روسيا، التي تعد من أقوى حلفاء سوريا في المناقشات الخاصة بقرار الأمم المتحدة، والصين حق النقض، وبررتا ذلك بأنه يعد تعديا على سيادة الدولة السورية. لقد كان قرارا خاطئا اتخذ في الوقت غير المناسب، فقد كان يوم السبت الموافق الرابع من فبراير (شباط) هو الأكثر دموية منذ اندلاع الاحتجاجات في سوريا في شهر مارس (آذار) من العام الماضي، حيث أكد المجلس الوطني السوري، الذي يسعى لأن يكون ممثلا للمعارضة، مقتل ما يزيد على 260 شخصا. وقتل أكثر من 500 خلال الأسبوع الماضي من بينهم أطفال ونساء، وقطعت عن حمص كل وسائل الاتصال ولم يسمح لأي صحافيين أو مراسلين بدخولها.

كيف ترتكب الصين وروسيا مثل هذا الخطأ؟ من الواضح أنهما قد منحا الأسد الضوء الأخضر للاستمرار في قتل شعبه باستخدامهما لحق النقض، حيث لم تمر بضع ساعات إلا وقصفت القوات السورية حمص. ويعني هذا أن روسيا والصين بعثتا برسالة قوية للأسد ونظامه مفادها أنه بإمكانه الاستمرار في مهمته وهي قتل وتعذيب السوريين وقصف منازلهم؛ يخربون بيوتهم بأيديهم.

أعتقد أن حق النقض استخدم لدعم الطرف المخطئ، ويماثل استخدام أميركا لحق النقض ضد الفلسطينيين. لقد استخدمت كل من روسيا والصين حق الفيتو في الرابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2011 ضد مشروع قرار أوروبي يدين بشدة الانتهاك المنهجي السافر الذي ترتكبه السلطات السورية لحقوق الإنسان، ويهدد باتخاذ إجراءات عقابية ضد سوريا.

على الجانب الآخر، دعمت الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والدول العربية هذا المشروع، وانتقدت أكثر الدول موقف روسيا والصين، وأدان الرئيس أوباما ما وصفه بـ«الاعتداء الذي لا يوصف من قبل النظام السوري على أهالي حمص» وأضاف: «لم يعد من حق الأسد قيادة سوريا، حيث فقد شرعيته أمام شعبه وأمام المجتمع الدولي». ويحذر وزير خارجية المملكة المتحدة الأسد من احتمال مواجهة حرب أهلية شاملة إذا ما أصر على البقاء في السلطة رغم الإخفاق في تمرير قرار الأمم المتحدة.

نحن إزاء سؤال مهم للغاية: هل تتبنى كل من روسيا والصين استراتيجية مشتركة لدعم الأسد؟ هل يعد استخدامهما حق النقض مؤشرا على هذا؟ بمعنى آخر، تستخدم أميركا حق النقض لصالح إسرائيل، وحتى هذه اللحظة استخدمت الولايات المتحدة حق النقض لمنع الفلسطينيين من الحصول على حقوقهم 60 مرة، مما يؤكد أنها استراتيجية أميركية طويلة الأمد. ماذا عن روسيا والصين؟ هل تتبنيان استراتيجية واضحة حول قضايا الشرق الأوسط بما فيها سوريا؟

في يونيو (حزيران) عام 2002 زار خاتمي، الذي كان رئيسا للجمهورية الإسلامية آنذاك، جمهورية الصين الشعبية. وخلال تلك الزيارة عقد الرئيس الصيني جيانغ زيمين معه محادثات. لقد أخبرنا بكل وضوح أن استراتيجية الصين تقوم على المصالح الاقتصادية، وقال: إنه ليس لديه وقت يضيعه في أفغانستان، لذا طلب من سكرتيرته أن تأخذ ملف أفغانستان من مكتبه وتعطيه إلى نائبه لتولي أمره. وركز على شخصيته كمهندس، وأقر أنه لا يفهم الفلسفة والأدب. لقد كان واضحا بالنسبة إلى أن جيانغ زيمين قارئ ذكي للفلسفة والأدب، لكن يبدو أنه كان يحاول التماشي مع استراتيجية الصين التي تولي الاقتصاد الأهمية الأولى والأخيرة.

واستنادا إلى خبرتي ودراساتي حول الصين، أعتقد أن فهم الاستراتيجية التي تتبناها الصين والمنطق وراء استخدام حق النقض لصالح سوريا معقد جدا. هل هذا تفسير جديد لمبدأ توماس هوبز الذي يقول بأن «الإنسان ذئب لأخيه الإنسان» مع علم الجميع مدى صعوبة الالتزام بالأخلاق والمبادئ وقواعد اللعبة السياسية في آن واحد. هل نحن على مشارف حرب باردة جديدة؟ يعتقد وزير الخارجية التركي، أحمد داود أوغلو، في احتمال نشوب حرب باردة جديدة، حيث قال في مؤتمر حول الأمن في ميونيخ: «للأسف استمر منطق الحرب الباردة في الأمم المتحدة في الرابع من فبراير. لم تستخدم كل من الصين وروسيا حق النقض استنادا إلى حقائق على أرض الواقع، بل كرد فعل تجاه الغرب. لا ينبغي أن يتم استخدام حق النقض من هذا المنظور».

عام 2002 سألت وزير الثقافة الصيني كيف يمكننا التعرف على الهوية الصينية؟ فابتسم وقال لي: إنه في البداية ينبغي أن تتعلم من الحجر، مشيرا إلى لعبة لديهم تسمى «ويي كوي». ويطلق الأميركيون على هذه اللعبة «انطلق». وتعد كلمة «انطلق» هي أنسب كلمة لتوضيح 361 قطعة حجر بيضاء وسوداء يجب أن تملأ في النهاية اللوح الذي يتكون من 19 خانة × 19 خانة. لقد وصف بذلك نهج الصين طويل المدى غير المباشر في اكتساب النفوذ. ويتكون الشطرنج من 64 قطعة، بينما تتكون اللعبة الصينية من 361 قطعة، مما يعني أنها «لعبة حصار». يجب أن تتحلى بالصبر والذكاء والهدوء وتقتنص الثواني من أجل الفوز في هذه اللعبة. هل حق النقض جزء من هذه اللعبة؟ يعرف عن هذه اللعبة أنها ثرية باستراتيجيتها رغم قواعدها البسيطة؟ إنها لعبة العمالقة، فعلى جانب توجد أميركا والغرب وجامعة الدول العربية الذين يسعون إلى تغيير النظام في سوريا أو على الأقل تنحي الأسد عن منصبه، بينما على الجانب الآخر توجد روسيا والصين وإيران الذين يدعمون نظام الأسد. أعتقد أنه من الصعب تبرير دعم تلك الدول للأسد، فمن يمكنه الموافقة على أفعال نظام يقصف شعبه؟ ويعد حي الخالدية في حمص مثالا واضحا على ذلك. يوم الأحد ذهب بشار الأسد وحكومته إلى أحد المساجد للاحتفال بالمولد النبوي الشريف، والأسبوع الماضي قتلت القوات السورية أكثر من 100 شخص من بينهم أطفال ونساء. لقد أوصانا رسولنا الكريم بالتعامل مع العدو على أساس العدل، حيث قال الله في كتابه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ» (8) سورة المائدة. ليس سكان حمص وإدلب ودمشق وحلب وحماه وغيرها من المدن هم الأعداء، بل هم مسلمون يؤمنون بالله ورسوله.

ونظرا لأن السوريين مسلمون، فمن الواضح أن روسيا والصين وإيران يتخذون جانب المتجني. إنهم بارتكاب هذا الخطأ الاستراتيجي يمنحون الولايات المتحدة فرصة ذهبية ومناخا ملائما لتقديم نفسها كصديقة للشعب السوري.