تأملات من أبوظبي

TT

ذكرت الأسبوع الماضي أنني كنت مسافرا إلى أبوظبي، وفي الواقع يعد هذا وقتا رائعا لزيارة العاصمة الإماراتية. وقد كتبت جزءا من هذا المقال هناك، ثم أكملته عندما عدت إلى العاصمة البريطانية لندن. وفي الحقيقة، توضح المناقشات التي أجريتها مع وزارة التنمية الاقتصادية في أبوظبي الاختلاف بين الأعمال في أبوظبي وأوروبا في الوقت الراهن. وفي ظل تعافي الاقتصاد من آثار الأزمة المالية العالمية، تقوم أبوظبي بإجراء بعض التعديلات التي تضمن لها مستقبلا أكثر قوة من الناحية الاقتصادية التي تعتمد بصورة أساسية على النفط والغاز.

وعندما قام وزير التجارة البريطاني، لورد غرين، بزيارة الإمارات العربية المتحدة في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، كان هناك حديث بأن لندن هي «الإمارة الثامنة»، حيث تحتل الإمارات المرتبة السادسة عشرة في سوق الصادرات البريطانية، كما أن العلاقات التجارية بين البلدين تمتد منذ أمد بعيد.

وقدم لي أحد الأصدقاء في وزارة التنمية الاقتصادية الإماراتية بعض الحقائق والأرقام المهمة التي توضح أن أبوظبي قد شهدت تقدما ملحوظا خلال عام 2011 نحو تحقيق هدفها على المدى الطويل والذي يتمثل في وجود تنوع اقتصادي، من خلال القيام بتنمية كبرى في مجالات الصناعة والنقل والسياحة. وفي أواخر العام الماضي، أعلنت الحكومة الإماراتية عن إعادة ترتيب أولوياتها فيما يتعلق ببعض المشروعات. ويشير التقرير السنوي للتنافسية العالمية لعام 2011، والصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية، إلى أن أبوظبي قد قفزت من المركز الثاني والعشرين في عام 2007 إلى المركز السادس في عام 2010، وهو أمر مذهل بكل تأكيد.

وثمة حاجة كبيرة الآن لتطوير البنية التحتية في حال استمرار هذا النمو السريع، كما يتطلب ذلك مشاركة القطاع الخاص بصورة أكبر. ولدى أبوظبي تاريخ طويل من الابتكار الناجح في نهجها مع القطاع الخاص، حيث وضعت رؤية أبوظبي الاقتصادية لعام 2030 خارطة طريق طويلة الأجل لتحقيق تقدم اقتصادي في أبوظبي من خلال إنشاء إطار مشترك لكافة السياسات والخطط وإشراك القطاع الخاص في تنفيذها بشكل كامل.

وتشير الرؤية الاقتصادية إلى مساهمة المشروعات الصغيرة والمتوسطة في النمو الاقتصادي المستدام. وبصفة عامة، من المرجح أن تكون معظم الشركات في غالبية الاقتصاديات القائمة على النفط شركات كبيرة، والعكس صحيح في معظم دول مجموعة الثماني ودول مجموعة العشرين، حيث تسهم الشركات الصغيرة والمتوسطة في إجمالي الناتج المحلي لدول مجموعة الثماني بصورة أكبر من المشروعات الكبيرة. إن تطوير قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة سوف يساعد أبوظبي على الوصول إلى أهدافها، كما سيحد من احتمالات تعرض الاقتصاد للمخاطر ويشجع الابتكار ويخلق فرص عمل جديدة.

وبعدما فشلت النظرية الماركسية التي تعتمد على ترك كل شيء للحكومة، أصبح هناك عدد كبير من أشكال المنافسة الرأسمالية، ويعد النموذج الإماراتي نموذجا مثيرا للاهتمام في هذا الصدد، حيث تعمل الحكومة على تعزيز الأعمال من خلال الأسهم الخاصة. وقد تم إنشاء مشروع «خليفة» للمساعدة في تطوير المؤسسات المحلية في أبوظبي. ويعد الصندوق بمثابة شركة استثمارية متخصصة في تقديم الخدمات الاستشارية في مختلف مراحل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، بدءا من اختيار فكرة المشروع وتقييمها وإعداد خطة العمل ودراسة الجدوى. ويقوم مركز أبحاث الأعمال التابع لجامعة كامبريدج بدور رائد في مجال المشروعات القائمة على المعرفة والتكنولوجيا، وقد بدأ المركز في الأساس باعتباره مركزا متخصصا في المشروعات الصغيرة، وما زالت المشروعات الصغيرة تشكل مجالا رئيسيا للبحث في المركز حتى يومنا هذا.

ويعيدني هذا مرة أخرى إلى أحد الموضوعات المفضلة بالنسبة لي وهو موضوع الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وفي الواقع، ينبغي لهذه الشراكة أن تسهم مساهمة إيجابية في المجتمع وأن تقدم فوائد حقيقية للناس ولرجال الأعمال وللمجتمع على نطاق أوسع.

وهناك اهتمام كبير في أبوظبي بتطوير المشروعات وتعزيز قدرات القطاع الخاص من خلال المشاركة بين القطاعين العام والخاص. وقد أثبتت أبوظبي أن الحكومة على استعداد للسماح بمشاركة القطاع الخاص في مشروعات البنية التحتية. وهناك فرصة كبيرة للتعاون بين الإمارات وبريطانيا لتبادل المعلومات والاستفادة المتبادلة في ذلك المجال، خاصة أن بريطانيا تملك عددا هائلا من الشركات الصغيرة والمتوسطة في مقابل عدد قليل للغاية من الشركات العملاقة والعالمية. وعلاوة على ذلك، تملك بريطانيا أكبر وأنجح برنامج للشراكة بين القطاعين العام والخاص على مستوى العالم.

ويمتاز القطاع المصرفي في أبوظبي بتحقيق ربحية كبيرة وتنظيم رائع وسيولة مرتفعة. ولم تتأثر المصارف في الإمارة بالأزمة الاقتصادية بشكل كبير نتيجة الإنفاق الحكومي المرتفع والمشاركة المنخفضة نسبيا في المشروعات العقارية. وفي الوقت نفسه، هناك تراجع في القروض المتعثرة وارتفاع في ودائع العملاء، وهو ما يزيد من استقرار هذا القطاع. وللتأكيد على استدامة هذا الاستقرار، رفع البنك المركزي شروط النسبة بين رأس المال والكفاية وفرض شروطا ائتمانية جديدة للقروض الشخصية. وتساعد هذه العوامل المؤسسات المالية في الإمارات.

وهناك مشروع عملي آخر أوشك على الانتهاء، حيث تضع أبوظبي اللمسات النهائية على خط أنابيب نفط سيتيح للإمارات تجنب المرور بمضيق هرمز الذي يمر عبره نحو 40 في المائة من خام النفط بحرا حاليا. ويرى الكثيرون أن هذا المشروع يأتي في الوقت المناسب، حيث لن يحد فقط من الاختناق المروري في مضيق هرمز، بل يأتي في وقت تنامى فيه التوتر مع إيران على مدى الأشهر القليلة الماضية. وبالعودة إلى المملكة المتحدة حيث درجات الحرارة المنخفضة، دشنت الحكومة البريطانية يوم الأربعاء الماضي الدورة السابعة والعشرين لترخيص الغاز والنفط قبالة شواطئها بـ2.800 وحدة متاحة للمنقبين عن الطاقة. وتم تحديد عدد التراخيص الممنوحة في الدورة الماضية بـ190 نظرا لانجذاب المستثمرين إلى قطاع النفط. وقال وزير الطاقة البريطاني، تشارلز هندري: «هناك نحو 20 مليار برميل نفط لم يتم استخراجها بعد. ولا يزال في المملكة المتحدة الكثير من النفط».

يعود تاريخ عمليات التنقيب التجاري للنفط في بحر الشمال إلى عام 1851 رغم أن الإنتاج واسع النطاق لم يبدأ سوى في فترة السبعينات. ووصل إنتاج نفط بحر الشمال إلى الذروة عام 1999، حيث بلغ نحو 6 ملايين برميل يوميا. وبدأ استغلال احتياطي النفط في بحر الشمال قبل أزمة النفط عام 1973 وجعل ارتفاع أسعار النفط العالمية الاستثمارات الضخمة في استخراج النفط ضرورة وأكثر جذبا. ويسير التقدم بخطى بطيئة في أوروبا، ويبدو اقتصاد دول منطقة اليورو مستقرا خلال شهر يناير (كانون الثاني). قد يكون هذا سابقا لأوانه، لكن قد يعني هذا استعادة منطقة اليورو للنمو الاقتصادي قريبا خلال الربع الأول من العام وبالتالي تفادي الركود.

توجهت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، إلى الصين وهناك بعض المؤشرات بمشاركة الصين. وقالت خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الصيني، وين جياباو، الأسبوع الماضي: «تنظر الصين في الطرق السليمة التي تمكنها من المساهمة الفاعلة في حل أزمة الديون الأوروبية من خلال صندوق النقد الدولي». إذا نظرت حولك جيدا ستلاحظ الكثير من الأنباء السارة. من الأفضل النظر إلى الجانب الإيجابي المشرق من الغرق في دوامة من الأنباء السيئة.

*أستاذ زائر في كلية إدارة الأعمال بجامعة «لندن متروبوليتان» ورئيس «ألترا كابيتال».